‏إظهار الرسائل ذات التسميات اسلاميات. إظهار كافة الرسائل

" ﺧﺪﻣﺎﺕ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻤﻮﺕ "



" ﻣﺎﺕ ﺟﺎﺭﻱ بالأمس ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻮﻉ ..

ﻭﻓﻲ ﻋﺰﺍﺋﻪ ﺫﺑﺤﻮﺍ ﻛﻞ ﺍﻟﺨﺮﺍﻑ !! "

ﻻ ﺑﺪ ﺃﻥ ﺗﻤﻮﺕ ﻟﻨﻌﺮﻑ ﻓﻀﻠﻚ ﻭﻧﻌﺎﻣﻠﻚ ﺑﺎﺣﺘﺮﺍﻡ ، ﻓﺘﻠﻚ ‏( ﺧﺪﻣﺎﺕ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻤﻮﺕ ) ..
ﻳﺒﻘﻰ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻛﺮﺻﻴﻒ ﻣﻬﻤﻞ،
ﻻ ﻳﻠﺘﻔﺖ ﺇﻟﻴﻪ ﺃﺣﺪ، ﻓﺈﺫﺍ ﻣﺎﺕ ﻓﺎﺿﺖ ﺍﻟﻤﺤﺎﺑﺮ ﻭﺍﻟﺤﻨﺎﺟﺮ ﺑﺎﻟﻮﺩ ﺍﻟﻤﺘﺄﺧﺮ ..
ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻮﺩ ﻭﺍﻻﻋﺘﺬﺍﺭ ﺍﻟﻤﺘﺄﺧﺮ ﻓﺎﻗﺪ ﻟﻨﺼﻒ ﻗﻴﻤﺘﻪ ، ﻛﻘﻬﻮﺓ ﺑﺎﺭﺩﺓ ﻻ ﻓﺎﺋﺪﺓ ﻣﻨﻬﺎ ..
ﺇﻧﻬﺎ ﺧﺪﻣﺎﺕ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻤﻮﺕ !!
ﻫﻨﺎﻙ ﻧﻔﻮﺱ ﻛﺄﻧﻬﺎ ‏( ﻣﻘﺒﺮﺓ ‏)
ﻻ ﺗﺤﺐ ﻭﻻ ﺗﺘﻘﺒﻞ ﻭﻻ ﺗﺤﺘﻀﻦ ﺇﻻ ﺍﻟﻤﻮﺗﻰ ﻓﻘﻂ !!
ﺃﺣﺪ ﺍﻷﺧﻮﺓ ﻳﻘﻮﻝ ..
ﻛﻨﺖ ﺃﺫﻫﺐ ﻣﻊ ﺃﺧﻲ ﺍﻷﻛﺒﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ
ﻭﺃﻧﺎ ﻃﺎﻟﺐ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻮﻳﺔ ، ﻛﻨﺖ ﻻ ﺃﺣﺐ ﺳﻤﺎﻉ ﺍﻷﻏﺎﻧﻲ ﻭﺃﺧﻲ ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ ﻣﻬﻮﻭﺱ ﺑﻬﺎ ..
ﻭﻓﻲ ﻛﻞ ﺻﺒﺎﺡ ﻛﻨﺎ ﻧﻤﺮّ ﺑﺎﻟﻘﺮﺏ ﻣﻦ ﻣﻘﺒﺮﺓ ﻭﻛﺎﻥ ﻳﻐﻠﻖ ﺍﻟﺼﻮﺕ ﻋﻨﺪ ﻣﺮﻭﺭﻧﺎ ﺑﺎﻟﻤﻘﺒﺮﺓ ..
ﻭﻓﻲ ﺃﺣﺪ ﺍﻷﻳﺎﻡ ﺳﺄﻟﺘﻪ : ﻟﻤﺎﺫﺍ ﺗﻐﻠﻖ ﺍﻷﻏﺎﻧﻲ ﻋﻨﺪ ﻣﺮﻭﺭﻧﺎ ﺑﺎﻟﻤﻘﺒﺮﺓ؟
ﻓﻘﺎﻝ : ﻧﺤﺘﺮﻡ ﺍﻷﻣﻮﺍﺕ ..
ﻗﻠﺖ :
ﻭﺍﻟﺤﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺑﺠﺎﻧﺒﻚ ﻟﻤﺎﺫﺍ ﻻ ﺗﺤﺘﺮﻣﻪ ﻭﺗﻐﻠﻘﻬﺎ ﻃﻮاﻝ وجوده ﻣﻌﻚ؟ !
فعلمت ﺍﻥ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺗﺤﺘﺮﻡ ﺍﻷﻣﻮﺍﺕ ﻭﻟﻮ ﻟﻢ ﺗﻌﺮﻓﻬﻢ ، ﻭﻻ ﺗﺤﺘﺮﻡ ﺑﻌﺾ ﺍﻷﺣﻴﺎﺀ ﻭﻫﻲ ﺗﻌﺮﻓﻬﻢ !!
ﻻ ﺃﺩﺭﻱ ﺃﻛﺎﻥ ﻟﺰﺍﻣﺎً ﺃﻥ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻟﻠﻤﻮﺕ ..
ﻟﻴﺨﺮﺝ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺣﻮﻟﻬﻢ ﻣﻦ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﺨﺮﺱ ﺍﻟﻌﺎﻃﻔﻲ ..
ﺧﺪﻣﺎﺕ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻤﻮﺕ ..
ﻇﺎﻫﺮﺓ ﺗﻬﺪﻑ ﺇﻟﻰ ﺗﻘﺪﻳﺲ ﺍﻟﻤﻴﺖ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻣﻬﻤﻼً ﻭﻫﻮ ﺣﻲ ..
ﺳﺨِﺮ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺃﺣﺪ ﺍﻟﻤﻔﻜﺮﻳﻦ ﻓﺤﻜﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻘﻮﻟﺔ ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺭﺓ :
" ﻣﺎﺕ ﺟﺎﺭﻱ بالأمس ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻮﻉ ..
ﻭﻓﻲ ﻋﺰﺍﺋﻪ ﺫﺑﺤﻮﺍ ﻛﻞ ﺍﻟﺨﺮﺍﻑ !! "
ﻭﺭﺩﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻷﺣﻴﺎﺀ ﻹﻧﺴﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﻗﻴﺪ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ، ﺃﺯﻫﻰ ﻣﻦ ﺑﺎﻗﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﻗﺒﺮﻩ ...
ﻭﻛﻤﺎ ﺗﺬﻛﺮﻭﻥ ﻣﺤﺎﺳﻦ ﻣﻮﺗﺎﻛﻢ ..
ﻓﻼ ﺗﻨﺴﻮﺍ ﺃﻥ ﻟﻸﺣﻴﺎﺀ ﻣﺤﺎﺳﻦ ﺗﺬﻛﺮ ﻭﺗﺸﻜﺮ ..
ﻓﺘﺤﺪﺛﻮﺍ ﺇﻟﻴﻬﻢ ، ﻭﻋﺒﺮﻭﺍ ﻋﻦ ﻣﺸﺎﻋﺮﻛﻢ ﺍﻵﻥ ..
ﻗﺒﻞ ﻓﻮﺍﺕ ﺍﻷﻭﺍﻥ ..
ﻓﻜﻠﻨﺎ ﺭﺍﺣﻠﻮﻥ ..

منقووووووووووووووووووول

أبو ذر الغفاري....سيف الحق بوجه الظلم والطغيان



هو أبو ذَرّ، ويقال أبو الذَرّ جندب بن جنادة الغفاري. وقد اختلف في اسمه, فقيل: جندب بن عبد الله، وقيل: جندب بن السكن، والمشهور جندب بن جنادة. وأم أبي ذَرّ هي رملة بنت الوقيعة الغفارية، وقد أسلمت رضي الله عنها.
كان  آدم طويلاً أبيض الرأس واللحية، أسمر اللون نحيفًا، قال أبو قلابة عن رجل من بني عامر: "دخلت مسجد مِنى فإذا شيخ معروق آدم (أي أسمر اللون)، عليه حُلَّة قِطْريٌّ، فعرفت أنه أبو ذَرّ بالنعت".

حال أبي ذر الغفاري في الجاهلية :

ولد أبو ذر  في قبيلة غفار بين مكة والمدينة، وقد اشتهرت هذه القبيلة بالسطو، وقطع الطريق على المسافرين والتجار وأخذ أموالهم بالقوة، وكان أبو ذَرّ  رجلاً يصيب الطريق، وكان شجاعًا يقطع الطريق وحده، ويُغير على الناس في عماية الصبح على ظهر فرسه أو على قدميه كأنه السبع، فيطرق الحي ويأخذ ما يأخذ.
ومع هذا كان أبو ذَرّ ممن تألّه  "أخذ أبو بكر  بيدي فقال: يا أبا ذر. فقلت: لبيك يا أبا بكر. فقال: هل كنت تأله في جاهليتك؟ قلت: نعم، لقد رأيتني أقوم عند الشمس (أي عند شروقها)، فلا أزال مصليًا حتى يؤذيني حرّها، فأخرّ كأني خفاء. فقال لي: فأين كنت توجَّه؟ قلت: لا أدري إلا حيث وجهني الله، حتى أدخل الله عليَّ الإسلام". في الجاهلية، وكان يقول: لا إله إلا الله، ولا يعبد الأصنام.

النور يسري إلى قلب أبي ذَر وقبيلته :

عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال أبو ذر : كنت رجلاً من غفار، فبلغنا أن رجلاً قد خرج بمكة يزعم أنه نبي، فقلت لأخي: انطلق إلى هذا الرجل كلِّمه وَأْتني بخبره. فانطلق فلقيه، ثم رجع فقلت: ما عندك؟ فقال: والله لقد رأيت رجلاً يأمر بالخير، وينهى عن الشر. فقلت له: لم تشفني من الخبر. فأخذت جرابًا وعصًا، ثم أقبلت إلى مكة فجعلت لا أعرفه، وأكره أن أسأل عنه، وأشرب من ماء زمزم، وأكون في المسجد. قال: فمر بي عليٌّ ، فقال: كأن الرجل غريب؟ قال: قلت: نعم. قال: فانطلق إلى المنزل. قال: فانطلقت معه لا يسألني عن شيء ولا أخبره، فلما أصبحت غدوت إلى المسجد لأسأل عنه، وليس أحد يخبرني عنه بشيء.
قال: فمر بي عليٌّ فقال: أما آن للرجل أن يعرف منزله بعد؟ قال: قلت: لا. قال: انطلق معي. قال: فقال: ما أمرك؟ وما أقدمك هذه البلدة؟ قال: قلت له: إن كتمت عليَّ أخبرتك. قال: فإني أفعل. قال: قلت له: بلغنا أنه قد خرج هاهنا رجل يزعم أنه نبي، فأرسلت أخي ليكلمه فرجع ولم يشفني من الخبر، فأردت أن ألقاه. فقال له: أما إنك قد رشدت، هذا وجهي إليه فاتبعني، ادخل حيث أدخل، فإني إن رأيت أحدًا أخافه عليك قمت إلى الحائط كأني أصلح نعلي، وامضِ أنت. فمضى ومضيت معه حتى دخل ودخلت معه على النبي، فقلت له: اعرض عليَّ الإسلام. فعرضه فأسلمت مكاني، فقال لي: "يا أبا ذَرّ، اكتم هذا الأمر، وارجع إلى بلدك، فإذا بلغك ظهورنا فأقبل".
فقلت: والذي بعثك بالحق لأصرخَنَّ بها بين أظهرهم. فجاء إلى المسجد وقريش فيه، فقال: يا معشر قريش، إني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئ. فقاموا فضُربت لأموت، فأدركني العباس فأكب عليَّ، ثم أقبل عليهم فقال: ويلكم! تقتلون رجلاً من غفار، ومتجركم وممركم على غفار. فأقلعوا عني، فلما أن أصبحت الغد رجعت فقلت مثل ما قلت بالأمس، فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئ. فصُنع بي مثل ما صنع بالأمس، وأدركني العباس فأكبّ عليَّ، وقال مثل مقالته بالأمس.
وكان أبو ذرّ  من كبار الصحابة، قديم الإسلام، يقال: أسلم بعد أربعة فكان خامسًا، وبعد أن أسلم آخى النبي بينه وبين المنذر بن عمرو أحد بني ساعدة وهو المُعْنِق ليموت.

أثر الرسول في تربية أبي ذر الغفاري :

كان للنبي أثرٌ كبير وواضحٌ في حياة أبي ذر ؛ وذلك لقدم إسلامه، وطول المدة التي قضاها مع النبي؛ فعن حاطب قال: قال أبو ذر: "ما ترك رسول الله شيئًا مما صبّه جبريل وميكائيل -عليهما السلام- في صدره إلا قد صبه في صدري".
وعن أبي هريرة  قال: قال أبو ذَرّ : يا رسول الله، ذهب أصحاب الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضول أموال يتصدقون بها. فقال رسول الله: "يا أبا ذَرّ، ألا أعلمك كلمات تدرك بهن من سبقك، ولا يلحقك من خلفك إلا من أخذ بمثل عملك؟" قال: بلى يا رسول الله. قال: "تكبر الله دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، وتحمده ثلاثًا وثلاثين، وتسبحه ثلاثًا وثلاثين، وتختمها بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير".

أهم ملامح شخصية أبي ذر الغفاري :

الزهد الشديد والتواضع :

قيل لأبي ذرٍّ : ألا تتخذ أرضًا كما اتخذ طلحة والزبير؟ فقال: "وما أصنع بأن أكون أميرًا، وإنما يكفيني كل يوم شربة من ماء أو نبيذ أو لبن، وفي الجمعة قَفِيزٌ من قمح".
وعن أبي ذر قال: "كان قوتي على عهد رسول الله صاعًا من التمر، فلست بزائدٍ عليه حتى ألقى الله تعالى".

صدق اللهجة :

قال أبو ذَرّ : قال لي رسول الله: "ما تقلّ الغبراء ولا تظل الخضراء على ذي لهجة أصدق وأوفى من أبي ذَرّ، شبيه عيسى ابن مريم". قال: فقام عمر بن الخطاب  فقال: يا نبي الله، أفنعرف ذلك له؟ قال: "نعم، فاعرفوا له".

حرص أبي ذر الغفاري على الجهاد رغم الصعوبات :

عن عبد الله بن مسعود  قال: لما سار رسول الله إلى تبوك، جعل لا يزال يتخلف الرجل فيقولون: يا رسول الله، تخلف فلان. فيقول: "دعوه، إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه". حتى قيل: يا رسول الله، تخلف أبو ذر، وأبطأ به بعيره. فقال رسول الله: "دعوه، إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه". فتلوَّم أبو ذَرّ  على بعيره فأبطأ عليه، فلما أبطأ عليه أخذ متاعه فجعله على ظهره فخرج يتبع رسول الله ماشيًا، ونزل رسول الله في بعض منازله ونظر ناظر من المسلمين فقال: يا رسول الله، هذا رجل يمشي على الطريق. فقال رسول الله: "كن أبا ذَرّ". فلما تأمله القوم، قالوا: يا رسول الله، هو -والله- أبو ذَرّ. فقال رسول الله: "رحم الله أبا ذَرّ، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده".

بعض المواقف من حياة أبي ذر الغفاري مع الرسول :

وفي صحيح مسلم عن أبي ذَر ّ قال: سألت رسول الله: هل رأيت ربك؟ قال: "نور أنَّى أراه". قال النووي: أي حجابه نور، فكيف أراه؟!
وعن أبي ذَرّ  قال: قلت: يا رسول الله، ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي، ثم قال: "يا أبا ذَرّ، إنك ضعيف وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها، وأدَّى الذي عليه فيها".

بعض المواقف من حياة أبي ذر الغفاري مع الصحابة :

مع معاوية :

عن زيد بن وهب قال: مررت بالرَّبَذَة، فإذا أنا بأبي ذَرّ  فقلت له: ما أنزلك منزلك هذا؟ قال: كنت بالشام، فاختلفت أنا ومعاوية في {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّه[التوبة: 34]، قال معاوية : نزلت في أهل الكتاب. فقلت: نزلت فينا وفيهم. فكان بيني وبينه في ذاك، وكتب إلى عثمان  يشكوني، فكتب إليَّ عثمان  أنِ اقْدِم المدينة. فقدمتها فكثر عليَّ الناس حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك، فذكرت ذاك لعثمان، فقال لي: إن شئت تنحيت فكنت قريبًا. فذاك الذي أنزلني هذا المنزل، ولو أمَّرُوا عليَّ حبشيًّا لسمعت وأطعت.

مع أبي بن كعب :

عن أبي ذَرّ  أنه قال: دخلت المسجد يوم الجمعة والنبي يخطب، فجلست قريبًا من أبي بن كعب ، فقرأ النبي سورة براءة، فقلت لأبيّ: متى نزلت هذه السورة؟ قال: فتجهمني ولم يكلمني. ثم مكثت ساعة، ثم سألته فتجهمني ولم يكلمني، ثم مكثت ساعة ثم سألته فتجهمني ولم يكلمني، فلما صلى النبي قلت لأبيّ: سألتك فتجهمتني ولم تكلمني. قال أبيّ: ما لك من صلاتك إلا ما لغوت.
فذهبت إلى النبي فقلت: يا نبي الله، كنت بجنب أبيٍّ وأنت تقرأ براءة، فسألته متى نزلت هذه السورة فتجهمني ولم يكلمني، ثم قال: ما لك من صلاتك إلا ما لغوت. قال النبي: "صدق أُبَيّ".

بعض المواقف من حياة أبي ذر الغفاري مع التابعين :

مع عبد الله بن الصامت :

عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذَرّ  قال: قال رسول الله: "إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل، فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود". قلت: يا أبا ذَرّ، ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر؟ قال: يا ابن أخي، سألت رسول الله كما سألتني، فقال: "الكلب الأسود شيطان".

مع صدقة بن أبي عمران :

عن صدقة بن أبي عمران بن حطان قال: أتيت أبا ذَرّ فوجدته في المسجد مختبئًا بكساء أسود وحده، فقلت: يا أبا ذَرّ، ما هذه الوحدة؟ فقال: سمعت رسول الله يقول: "الوحدة خير من جليس السوء، والجليس الصالح خير من الوحدة، وإملاء الخير خير من السكوت، والسكوت خير من إملاء الشر".

بعض الأحاديث التي رواها أبو ذر الغفاري عن الرسول :

روى البخاري بسنده عن أبي ذر  قال: سألت النبي، أي العمل أفضل؟ قال: "إيمان بالله وجهاد في سبيله". قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: "أعلاها ثمنًا، وأنفسها عند أهلها". قلت: فإن لم أفعل. قال: "تعين ضَايِعًا أو تصنع لأخرق". قلت: فإن لم أفعل. قال: "تدع الناس من الشر؛ فإنها صدقة تصدق بها على نفسك".
وعن أبي ذر، عن النبي قال: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم". قال: فقرأها رسول الله ثلاث مرارًا، قال أبو ذر : خابوا وخسروا، من هم يا رسول الله؟ قال: "المُسْبِل، والمنَّان، والمُنْفِق سلعته بالحلف الكاذب".

أثر أبي ذر الغفاري في الآخرين :

منذ أسلم  أصبح من الدعاة إلى الله I، فدعا أباه وأمه وأهله وقبيلته، ولما أسلم أبو ذر  قال: انطلق النبي وأبو بكر وانطلقت معهما حتى فتح أبو بكر بابًا، فجعل يقبض لنا من زبيب الطائف، قال: فكان ذلك أول طعام أكلته بها، فلبثت ما لبثت، فقال رسول الله: "إني قد وجهت إلى أرض ذات نخل -ولا أحسبها إلا يثرب- فهل أنت مبلغ عني قومك؛ لعل الله ينفعهم بك ويأجرك فيهم".
قال: فانطلقت حتى أتيت أخي أنيسًا، قال: فقال لي: ما صنعت؟ قال: قلت: إني أسلمت وصدقت. قال: فما بي رغبة عن دينك، فإني قد أسلمت وصدقت. ثم أتينا أُمَّنا فقالت: ما بي رغبة عن دينكما، فإني قد أسلمت وصدقت. فتحملنا حتى أتينا قومنا غفارًا. قال: فأسلم بعضهم قبل أن يقدم رسول الله المدينة، وكان يؤمِّهم خُفاف بن إيماء بن رَحَضَة الغفاري، وكان سيِّدهم يومئذ، وقال بقيتهم: إذا قدم رسول الله أسلمنا. قال: فقدم رسول الله فأسلم بقيتهم. قال: وجاءت "أسلم" فقالوا: يا رسول الله، إخواننا، نُسلم على الذي أسلموا عليه. فقال رسول الله: "غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله".

مواقف خالدة في حياة أبي ذر :

ينتقل الزاهد الورع خليفة وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب  إلى جوار ربه ورسوله، تاركًا خلفه فراغًا هائلاً، ويبايع المسلمون عثمان بن عفان  وتستمر الفتوحات وتتدفق الأموال من البلاد المفتوحة، فارس والروم ومصر، وظهرت بين العرب طبقات غنية كنزت الأموال، وبنت القصور، وعاشت عيشة الأمراء، كما ظهرت بجانبهم طبقات فقيرة لا تجد ما تقتات به.
خرج أبو ذر  إلى معاقل السلطة والثروة يغزوها بمعارضته معقلاً معقلاً، وأصبح في أيام معدودات الراية التي التفَّتْ حولها الجماهير والكادحون، وكان إذا نزل بأرض ردد قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ[التوبة: 34، 35]. ولقد بدأ بأكثر تلك المعاقل سيطرة ورهبة هناك بالشام حيث معاوية بن أبي سفيان  يحكم أرضًا من أكثر بلاد الإسلام خصوبة وخيرًا وفيئًا، ويستشعر معاوية الخطر، وتفزعه كلمات الثائر الجليل، ولكنه يعرف قدره، فلا يقربه بسوء، ويكتب من فوره للخليفة عثمان بن عفان ، ويكتب عثمان لأبي ذر يستدعيه إلى المدينة، ويجري بينهما حوار طويل ينتهي بأن يقول له أبو ذر: "لا حاجة لي في دنياكم". وطلب أبو ذر من عثمان  أن يسمح له بالخروج إلى "الرَّبَذَة"، فأذن له.

موقف أبي ذر الغفاري من الثورات :

أتى أبا ذر وفدٌ من الكوفة وهو في الرَّبَذَة، يسألونه أن يرفع راية الثورة ضد عثمان بن عفان ، فزجرهم بكلمات حاسمة قائلاً: "والله لو أن عثمان صلبني على أطول خشبة، أو جبل لسمعت وأطعت وصبرت واحتسبت، ورأيت أن ذلك خيرٌ لي، ولو سيَّرني ما بين الأفق إلى الأفق، لسمعت وأطعت وصبرت واحتسبت، ورأيت أن ذلك خير لي، ولو ردني إلى منزلي لسمعت وأطعت وصبرت واحتسبت، ورأيت أن ذلك خيرٌ لي".
وهكذا أدرك ما تنطوي عليه الفتنة المسلحة من وبال وخطر؛ فتحاشاها.

بعض كلمات أبي ذر الغفاري :

من أقواله : "حجوا حجة لعظائم الأمور، وصوموا يومًا شديد الحر لطول يوم النشور، وصلوا ركعتين في سوداء الليل لوحشة القبور".

وفاة أبي ذر الغفاري :

تُوفِّي أبو ذر الغفاري  بالرَّبَذَة سنة 32هـ/ 652م.بكت عليه زوجته قائلة لا أجد ثوبا يسترك كفنا فقال لها قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما يموت أحدكم بأرض فلاة تشهده عصابة من المؤمنين. ولم يبق منهم إلا أنا ...ولما توفي رحمه الله وإذا بركب من المسلمين فيهم عبدالله بن مسعود ولما رآه أكب عليه يبكي ويقول رحمك الله تمشي وحدك وتموت وحدك وتحشر وحدك ...

اليهــــــــود وبابل





اليهــــــــود وبابل
طبعا نعرف الملك نبوخذ نصر الثاني
من أشهر ملوك هذه الدولة وأعظمهم شأنا ومن أهم أعمالة:
1- قام بأعمال عمرانية واسعة فى المدن وحصلت مدينة بابل على قدر كبير من عنايته إذ قام بتعميرها وتوسيعها وتجميلها .
2- دمر عاصمة اليهود (أورشليم) القدس واسر عددا كبيرا من أهلها عندما قاموا بثورة ضده.
3- لما عاد اليهود إلى الثورة مرة أخرى بعد عشر سنوات ( 586 ق.م) خرب عاصمتهم ودمرها تماما ونقل إلى العراق نحو 40000 يهودي سخرهم عبيدا فى بابل

"بناءً عليه"

تعتبر الديانة اليهودية، بصورة ما، تعتبر ديانة عراقية أولاً، ثم فلسطينية ثانياً. والسبب، لأن التأسيس الفعلي لهذه الديانة تم في (بابل) وان (التوراة ، الكتاب المقدس) اليهودي، قد كتبه فعليا اليهود المقيمون في بابل، حيث استلهموا اولا تراثهم الشفهي الفلسطيني الذي جلبوه معهم من فلسطين، ومزجوه مع تراث الديانة العراقية (البابلية) وأساطيرها المعروفة، مثل اسطورة الطوفان وقصة موسى، وآدام وحواء. اما كتابهم التشريعي (القانوني) في (التلمود البابلي) الذي كتبوه ايضا في بابل مستلهمين الثقافة القانونية 

العراقية ومن اهمها شريعة حمورابي

في بابل ظهر نبيهم حزقيال المعروف بـ (ذي الكفل) ويزور قبره المسلمون واليهود في المدينة المسماة باسمه الى اليوم في الجنوب. وفي العراق كذلك، جمع (عزرا) اسفار التوراة، ومات في العراق، وقبره في مدينة (العزير) في  الجنوب، يرعاه المسلمون واليهود معا. كما ان (التلمود البابلي) يعتبر الاكثر صحة من التلمود المقدسي، وكان جزء من جهود المدارس اليهودية التي أسست في جنوب العراق منذ القرن الثاني للميلاد. كما أسست معابد وبنيت مراقد يهودية كحال قبر (النبي ناحوم) في قرية (القوش) المجاورة للموصل أو (يوشع) الكاهن في الكرخ.

تعتبر الطائفة اليهودية في العراق من أقدم الطوائف اليهودية في العالم، إذ يرجع أصلها الى القرن السادس قبل الميلادي، من الاسرى الذين جلبهم (نبوخذ نصر) من فلسطين بعد سقوط دويلاتهم. وقد اتت بعد ذلك هجرات يهودية مستمرة من فلسطين الى العراق.

قام كورش الفارسي للعراق بالقضاء على دولة (بابل) سنة 538 ق.م التي كانت آخر دولة عراقية، وكانت بقيادة السلالة الكلدانية، و يعتقد بأن لتعاون اليهود مع كورش في فتح بابل من جهة وتحريض زوجته اليهودية الجميلة من جهة ثانية ورغبته في مد رقعة الدولة الفارسية وتكوين امبراطورية مترامية الأطراف من جهة ثالثة أثراً كبيراً في سماح كورش لليهود بالسكن في فلسطين لمن أراد منهم ذلك. هكذا جاءت القافلة الأولى برئاسة (زر بابل) مؤلفة من 42360 شخصاً و 7337 عبداً و تبعهم بعد ذلك جمع غفير. إلا أن العائدين لم يكونوا كل اليهود ، إذ فضل غالبيتهم العيش في العراق بعد ان تيسر لهم رغد العيش. وبذا يمكن القول بأن يهود العراق تألفوا من أسرى أولاً و مهاجرين طواعية ثانياً؟، ثم أخذ عددهم حتى بعد قدومهم لفلسطين في عهد كورش، يزداد مع مرور الزمن و مما ساعد على ذلك ما كانوا يتعرضون له من اضطهاد في فلسطين على يد أباطرة الرومان فكانت بيئة العراق بمثابة متنفس لهم يفدون اليها من وقت لآخر فراراً من ظلم الرومان و طمعاً في حماية الفرس وهكذا تكونت جاليتهم وأصبح لهم كيان في العراق.


اسباب سقوط الدولة الاموية؟






اسباب سقوط الدولة الاموية؟
عبدالمنعم الاعسم

في مروج الذهب للمسعودي، سأل بعض شيوخ بني امية وكبارهم، عقيب زوال الملك عنهم الى بني العباس:
ــ ما كان سبب زوال ملككم ودولتكم؟
قال، كما اورد المسعودي في كتابه: “إنا شـُغلنا بملذاتنا عن تفقد ما كان يلزمنا”.. “فظلمنا رعيتنا، فيئسوا من إنصافنا وتمنّوا (الرعية) الراحة منا” ثم “ظلمنا اهل خراجنا (الدول والاقوام الخاضعة) فتخلّوا عنا، وخربت ضياعنا، وخلتْ بيوت اموالنا فسادا”.
ثم “وثقنا بوزرائنا فآثروا مرافقهم (مصالحهم) على منافعنا، وامضوا امورا دوننا واخفوا عـِلمها عنا” ثم “تأخر عطاء (اجور) جندنا فزالت طاعتهم لنا، واستمالهم اعدادينا، فتظاهروا معهم على حربنا”ثم “كان استتار الاخبار عنا (جهلهم لما يجري بين الناس) من اوكد اسباب زوال ملكنا”.
ومن كتاب “بحار الانوار” لأمالي المفيد جاء ان الخليفة الاموي عبدالملك بن مروان خطب في مكة يوما وكانت المظالم قد عمت البلاد “فوعظ الناس وأمرهم بتقوى الله..” فقام اليه رجل من الحضور، وقال:
“مهلا، مهلا.. انكم تأمرون ولاتأتمرون، وتنهـَون ولاتنتهون، افنقتدي بسيرتكم في انفسكم أم نطيع أمركم في السنتكم؟” واضاف “فان قلتم اقتدوا بسيرتنا، فاين، وكيف، وما الحجة، وما النصير (يوم القيامة) من الله في الاقتداء بسيرة الظلمة الذين اكلوا اموال الله دولا، وجعلوا عبادالله خولا (معوزين). وإن قلتم اطيعوا امرنا واقبلوا نصيحتنا، فكيف ينصح غيره من يغشّ نفسه؟ أم كيف تجب الطاعة لمن لم تثبت عدالته؟” وان قلتم خذوا الحكمة من حيث وجدتموها واقبلوا العظة ممن سمعتموها فعلام قلدناكم (انتخبناكم) أزمّة (ممسكين) امورنا، وحكـّمناكم (جعلناكم حكاما) في دمائنا وأموالنا؟”.
ثم قال مذكّرا: “أما علمتم ان فينا من هو ابصر بفنون العظات، واعرَف بوجوه اللغات منكم؟”.
وختم الرجل كلامه، كما افاد المفيد، قائلا:
“فتحلحلوا عنها (عن الحكم) لهم (لمن هم افضل منكم) وإلا فاطلقوا عقالها (اهربوا) وخلوا سبيلها، يتدبر اليها الذين شرّدتموهم في البلاد، ونقلتموهم في كل واد”.
*
“دخل مالك بن دينار على حاكم البصرة للامويين، فقال له الحاكم: ادع الله لي، فقال ابن دينار: ما ينفعك دعائي لك وعلى بابك اكثر من مائتين يدعون عليك".
من مستطرف هادي العلوي

السنة والشيعة لماذا يتقاتلون؟......1



السنة والشيعة لماذا يتقاتلون؟
يتصدر الكتاب إهداء إلى الصحافية والشاعرة والروائية العراقية الشهيدة التي قتلت غدراً في 22 شباط 2006 بعد أن خطفت على يد الإرهابيين التكفيريين من تنظيم القاعدة ،أطوار بهجت مراسلة قناة العربية الفضائية وهي من أم شيعية وأب سني ومن مواليد مدينة سامراء

في المقدمة التمهيدية للكتاب ركزت الكاتبة على حادثة اغتيال الإعلامية العراقية الشهيدة أطوار بهجت وتطرقت إلى تفاصيل كثيرة ودقيقة عن ظروف عملية الاغتيال وأسبابها وخلفياتها في أعقاب تفجير مرقدي الإمامين العسكريين المقدسين الشيعيين في سامراء مسقط رأس الصحافية حيث انطلقت من هناك بوادر حرب أهلية – طائفية مدمرة وانفتح جرح لم يندمل منذ قرون وكاد أن يغرق العراق ببحر من الدماء. حيث صار يذبح كل فرد من أبناء الطائفتين يقع بين أيدي المسلحين من الطائفة الأخرى لا لشيء إلا لأنه يحمل اسم عمر أو عثمان، علي، أو حسين.. وتساءلت الكاتبة في مقدمتها إلى متى يعود تاريخ هذا الحقد الدفين بين الطائفتين ؟ ولماذا يتقاتل أبناء محمد فيما بينهم؟ ولو عاد نبي الإسلام إلى الحياة هل سيصبح سنياً أم شيعياً؟ ولماذا يدفع أبناء الإسلام الأبرياء ضريبة الدم هذه ولمصلحة من؟ خاصة وأن هذا الأمر لا يقتصر على العراق بل يوجد مثيلاً له في كل مكان يتواجد فيه شيعة وسنةن في لبنان والباكستان وأفغانستان والهند ولبنان ومصر والسعودية والبحرين والكويت وسوريا واليمن ودول الخليج الخ .. ولكن بدرجات متفاوتة.
ومنذ البداية وجهت الكاتبة أصابع الاتهام لهذا الصراع المذهبي الدامي إلى التنافس والتناحر الشديد بين قطبي الإسلام المعاصر وهما إيران والعربية السعودية وكيف يقوم الأمير بندر بن سلطان سفير المملكة السابق في واشنطن بتمويل الجماعات السنية المسلحة لمواجهة المد الشيعي، ومسؤولية الأيديولوجية الوهابية المتشددة والمتعصبة في تأجيج الصراع منذ عقود طويلة. وتطرقت الكاتبة إلى أمثلة عديدة على ذلك في العراق ولبنان وسورية والباكستان وأفغانستان. وكانت هذه المقدمة غنية ومليئة بالأمثلة والأرقام والإحصائيات والأدلة والشواهد الحية المعاصرة والتاريخية.
الفصل الأول حمل عنوان: إلى متى يعود عهد هذه القطيعة؟
وبالتالي فالكاتبة تفترض مقدماً أن هناك قطيعة شبه نهائية قد حصلت في جسم العالم الإسلامي منذ بدايات الرسالة. وتذكر بالتحديد تاريخ يوم من أيام شهر حزيران سنة 632 وتقول أنه يوم الاثنين بينما يقول بعض الشيعة أنه يوم خميس وسمي بيوم الرزية. في ذلك اليوم اندلع الانشقاق والاختلاف عندما كان نبي الإسلام ومؤسس الرسالة وقائد الأمة يحتضر على فراش الموت في غرفة زوجته الشابة والمفضلة عائشة بنت أبي بكر الصديق، حسب رواية المؤرخ الإسلامي الطبري، الذي استندت إليه الكاتبة. وكانت شرارة السباق على الخلافة قد انطلقت بعنف وقوة وسط أجواء مشحونة وتوتر ينطوي على استعداد لحسم الموقف بقوة السلاح كما يلخصها الطبري في كتابه تاريخ الطبري ، وفي الجزء الثالث منه الذي كان بعنوان " محمد خاتم الأنبياء" المترجم إلى اللغة الفرنسية من قبل هيرمان زوتنبيرغ والمنشور سنة 1989. وكان مؤلف السيرة، الإمام الطبري قد كتب كتابه بعد مضي قرنين على ذلك الحدث أي وفاة الرسول. وحاول المؤرخ أن ينتزع من هنا وهناك نتفاً من الحقيقة الضائعة عن بداية هذا الدين السماوي التوحيدي الثالث وتسليط الضوء على اللحظات الأولى للمواجهة العنيف بين أتباع هذه الطائفة أو تلك للحصول على الخلافة.
وحتى لحظة الوفاة وأثناءها وبعدها كان الجو ينذر بالخطر وقد بقي جثمانه بعد الوفاة ثلاثة أيام قبل دفنه وهو أمر غريب في عرف ذلك الزمن وفي مناخ شديد الحرارة تتفسخ فيه الجثث بسرعة لذلك تدفن في نفس يوم الوفاة. لأن الجميع كان منشغلاً بأمر الخلافة عدا الإمام علي ابن أبي طالب ، صهر النبي وابن عمه، الذي كان يهتم بأمور التغسيل والتكفين والدفن وطقوس الصلاة على الميت بينما تتواجه القبائل والزعامات والشخصيات الطموحة، من أنصار ومهاجرين، في المدينة التي فقدت وحدتها وتآخيها وأخلاقها وقيمها التي أرساها مؤسس الإسلام، وحدد فيها كل شيء تقريباً ، من حقوق وواجبات على كل مسلم ومسلمة، ماعدا مسألة الخلافة كما يدعي جزء كبير من المسلمين الذين يعرفون اليوم بأبناء السنة والجماعة. بينما يؤكد خصومهم ومنافسيهم المعروفين اليوم بالشيعة أن النبي لم يرحل عن الحياة قبل حسم هذا الأمر الشديد الأهمية واختار علياً وصياً وخليفة له لاسيما في خطبة الوداع في غدير خم لهداية أتباعه والمؤمنين برسالته.
تطرقت الكاتبة في هذا الفصل إلى جميع الأحداث والتفاصيل التاريخية التي كانت سائدة في المدينة في ذلك الوقت العصيب خاصة فيما يتعلق بأهل البيت وأصحاب الكساء أي فاطمة وعلي والحسن والحسين، ولديهما الصغيرين آنذاك، الملتفين حول جثة الحامي الأول لهم والذي فقدوه والحزن يلفهم بينما كان الآخرون يجتمعون في سقيفة بني ساعدة للتفاوض بشأن مصير الإسلام ومستقبله وهم الصف الأول من الصحابة الطامحين للحصول على السلطة بأي ثمن حتى لو كان بقوة السلاح في أجواء تشبه ما يحدث اليوم إبان الانقلابات العسكرية. كان الأنصار يرفضون قيادة منفردة من المهاجرين تتسلط عليهم ويطالبون بقيادة ثنائية، أو شخص يختاروه هم، وكان الشخص الوحيد الذي يمكن أن يرضي قواعد الطرفين الشعبية هو علي ابن أبي طالب وهو أول من أسلم من الذكور وعمره عشر سنوات والذي قاتل واستبسل من أجل الإسلام في كل معاركه وتقلد سيف الرسول ذو الفقار .
ثم تناولت الكاتبة بأسلوب النقد والتعليق حيثيات ما جرى في السقيفة وكيف تمكن أبو بكر والد عائشة زوجة النبي ، وبمساعدة عمر ابن الخطاب، من فرض الأول كخليفة للمسلمين وأخذ البيعة له بالقوة وكيف حاول أبو سفيان عدو النبي اللدود في معسكر المشركين قبل فتح مكة أن يلعب على هذا الانقسام ويستغله ويكيد للإسلام عندما ذهب لعلي ليغريه بالتمرد على خلافة أبو بكر واستعداده لجمع جيش جرار من قبائل مكة تحت قيادة علي للإطاحة بسلطة أبو بكر وعمر إلا أن علي رفض التحالف مع أبو سفيان وفضل السكوت على مضض حماية للإسلام من الانشقاق والتفتت والتشرذم، وهو يعلم أن أبو سفيان لديه مصالح شخصية، ويكن كرهاً دفيناً للإسلام، وتتملكه رغبة في الانتقام، ولا يهمه صالح الإسلام والمسلمين. وعندما لم يجد أبو سفيان آذاناً صاغية لدى علي بن أي طالب تحالف مع أبو بكر وعمر بشرط أن تعطى ولاية الشام لأحد أبنائه وهكذا حصل. اتفق رهط من الصحابة على منع أهل البيت من الجمع بين النبوة والخلافة حتى لا يحدث تقليد يحدد الخلافة حصراً ببيت النبوة وسلالة النبي. اللغز الكبير الذي ظل بلا جواب هو لماذا صمت الإمام علي على حقه إذا كان مقتنعاً بأنه منصوص عليه من السماء؟ إن ذريعة المحافظة على الوحدة الإسلامية وتماسك الدين غير كافية لتبرير هذا الموقف المسالم، والدليل أن الإسلام انشق على نفسه، ووحدته تعرضت ومازالت تتعرض للخطر منذ 1500 عام. ثم استعرضت الكاتبة خطوات الخليفة الأول لترسيخ سلطته وشنه لحروب الردة يساعده في ذلك الرجل الثاني في النظام وهو عمر ابن الخطاب. ومحاولة الثاني إرغام العائلة العلوية على المبايعة ولو بالقوة واستغناء أبو بكر عنها طالما كانت فاطمة بنت النبي محمد على قيد الحياة، لاسيما بعد رفض الخليفة منحها إرثها من أبوها في منطقة فدك، وهي ملكية يهودية آلت إلى النبي بعد دحر اليهود كغنيمة أورثها لفاطمة لكن أبو بكر صادرها بحجة أن ألأنبياء لا يورثون أو هكذا ادعى أنه سمع النبي يقول وهو الوحيد الذي كان مصدرا لهذا الحديث الذي لم يسمعه غيره من الصحابة.
وهكذا برز مفهومان للإسلام، الأول يقف إلى جوار الفقراء والضعفاء والآخر يقف مع الأغنياء الارستقراطيين والأقوياء، الأول يتزعمه قائد قريب من الموت وزاهد في الدنيا ولا يسعى إلى السلطة بأي ثمن والثاني نقيضه تماماً. كانت سلطة الخلافة الأولى براغماتية واستفرادية أو إقصائية تحابي بعض الصحابة وتهمل البعض الآخر، وكانت دنيوية بحتة التف حولها القادة العسكريون وقادة الفتوحات والأغنياء من الصحابة وابتعد عنها المستضعفون والمثاليون من أمثال أبو ذر الغفاري وعمار ابن ياسر وسلمان الفارسي والمقداد ابن الأسود وغيرهم. وقد كرست الكاتبة صفحات كثيرة للحديث عن فاطمة الزهراء ومكانتها عند النبي ودورها قبل وبعد وفاة النبي حيث توفيت بدورها بعد الرسول بستة أشهر ودفنت سراً بناءاً على طلبها حتى لايشارك في تشييعها ودفنها باقي الصحابة لكسب  رضاء الرب والنبي وشفاعة أبوها الرسول، حيث ماتت وهي غاضبة على أبو بكر.
كما استعرضت الكاتبة حقبة الخلافة الراشدة الأولى والثانية في عهدي أو بكر وعمر وروت تفاصيل وملابسات حكم عثمان ابن عفان ومسرحية انتخابه المتقنة الصنع والإعداد ووقائع الفتنة الكبرى حيث كانت السلطة بيد التيار الموالي للخلفاء الثلاثة الأوائل قبل أن تطبق عليهم تسمية أهل السنة . ولكن بعد مقتل الخليفة الرابع عثمان آلت الخلافة بالإجماع في أول وهلة للإمام علي سنة 656 ، ولكن سرعان ما تمرد عليه عدد من الصحابة لاسيما الأثرياء منهم والطامعين بالخلافة إلى جانب زوجة الرسول عائشة بنت أبو بكر التي تكره علياً منذ فترة حادثة الأفك التي اتهمت فيها عائشة بالزنا ولكن بدون دليل إلى أن ثبتت براءتها بآية قرآنية وكان علي بن أبي طالب قد اقترح على النبي محمد تطليقها فلم تغفر له ذلك الموقف وظلت تحقد عليه إلى ’خر حياتها. فكانت أول من خرج على خلافة الإمام علي عسكريا بجيش جرار وخاضت ضده معركة دامية سميت بمعركة الجمل لأنها كانت تركب جملاً وتشجع المقاتلين على محاربة جيش الإمام العلي الذي يوجد من بين قادته أخوها محمد أبو بكر. وكان معها صحابة كبار من العشرة المبشرين بالجنة كطلحة والزبير اللذين قتلا في المعركة. ثم تمرد معاوية ابن أبي سفيان على خلافة علي وخاض ضده معركة صفين التي كاد أن يخسرها لولا لجوئه لخدعة رفع المصاحف على أسنة الرماح واقتراح خدعة  التحكيم. ثم تمرد جزء من جيش الأمام على علي بن أب طالب لقبوله بالتحكيم رغم شرعية حكمه وخلافته وسموا بالخوارج الذين حاربوا الإمام علي في معركة النهروان وتمكن أحدهم من اغتيال الخليفة الراشدي الرابع سنة 661 فانتهى عهد الخلافة الراشدة وبدأ عهد الحكم الملكي الوراثي الذي أرسى دعائمه معاوية ابن أبي سفيان في الشام وكانت بداية العصر الأموي الذي دام قرناً كاملاً.
فبعد اغتيال الخليفة الرابع الإمام علي كان من الطبيعي، في نظر أتباعه، أن يخلفه ابنه الكبير الإمام الحسن إلا أن هذا الأخير لم يجد معه قوة كافية لخوض مواجهة عسكرية مع معاوية والي الشام الطامع بالخلافة فتنازل له عنها بشروط لم يحترمها ولم يطبقها الخليفة الجديد الذي حول الخلافة إلى ملكية وراثية وظل يلعن الإمام علي من على منابر المسلمين في كل أرجاء الدولة الإسلامية. مات الإمام علي ولم يورث لعائلته سوى 700 درهم بينما كانت الملايين في بيت مال المسلمين تحت تصرف مؤسس الدولة الأموية معاوية ابن أبي سفيان ينفقها كما يشاء وكيفما يشاء. ولم يكتف معاوية بتنازل الحسن عن الخلافة بل اغتاله بالسم بواسطة إحدى زوجات الحسن بعد أن وعدها بتزويجها من إبنه الخليفة القادم يزيد. بيد أنه لم يف بوعده كعادته واغتال الزوجة المجرمة لتفادي خطورتها عليه وعلى إبنه. وحتى بعد وفاة الحسن بالسم أسيء إليه وعارضت عائشة زوجة جده دفنه بالقرب من قبر جده وأعلنت معارضتها علناً على ظهر جمل بحجة أن الأرض هي ملكية خاصة لها وصوب حراسها السهام والنبال ضد نعش الحسن أثناء تشييعه وقبل دفنه، كما سبق لها أن حاربت والده علي من على ظهر الجمل وتسببت بمقتل آلاف المسلمين لذلك فإن لدى الشيعة مرارة خاصة من تصرفات عائشة ولايضعها أحد منهم في قلبه ولايحبها أحداً منهم. وهذه ليست سوى إحدى مظاهر سوء المعاملة التي لاقاها أهل بيت النبوة. وبقي أمام الخصوم والأعداء هدف أخير هو التخلص من عميد العائلة الهاشمية الباقي وهو الإمام الحسين وتصفيته جسدياً أو إرغامه على الانصياع والاستسلام والمبايعة ليزيد وهو ذليل وخانع. وهذا الكلام ورد نصاً كما هو في كتاب الباحثة الفرنسية التي واصلت رسم اللوحة السياسية ـ التاريخية لجذور الصراع العسكري المسلح بين شيعة الإمام علي وعموم أهل السنة الذين التفوا حول الخلافة الأموية الجديدة وأيدوها. وهكذا تم تمهيد الطريق أمام وصول يزيد إلى عرش الخلافة بعد وفاة والده معاوية. وأول هدف قرر يزيد تحقيقه هو التخلص من حفيد النبي محمد الإمام الحسين ابن علي رغم كثرة أنصاره ومؤيديه في جميع الحواضر الإسلامية عدا دمشق. خرج الحسين من المدينة بعد أن أصبح وجوده فيها يشكل خطراً على حياته ولجأ إلى الكوفة لكثرة الأنصار المؤيدين له والمعارضين للحكم الأموي، بعد أن تلقى منهم الرسائل التي تدعوه للقدوم ليكونوا مجندين تحت إمرته وقيادته. وقد وعد المسلمون في العراق بتجهيز 120 ألف مقاتل لنصرته وإطاحة مغتصب الخلافة المرتد وإبن الطلقاء يزيد إبن معاوية. بيد أن يزيد تمكن بالحيلة والمال وشراء الذمم وقتل وتصفية زعماء المتمردين أو سجنهم قبل وصول الحسين إلى الكوفة، من تفتيت التمرد وتطويق الحسين وعزله في موقع يسمى كربلاء بالقرب من الكوفة وحال بينه وبين مياه نهر الفرات وبذلك غدا العطش أحد أبطال التراجيديا الكربلائية ، كما قطع عليه طريق العودة بقوات عسكرية جرارة ، وذلك في العشرة الأولى من شهر محرم حيث استشهد الإمام وأفراد عائلته الذكور وأتباعه المخلصين خلالها من اليوم الأول حتى اليوم العاشر من محرم الذي سقط فيه الحسين نفسه شهيداً ومضرجاً بدمه. وهي المأساة التي يحيي ذكراها الشيعة في العالم في كل عام إلى يومنا هذا ويوزعون الماء السبيل مجاناً في هذه المناسبة منذ قرون. وهي الطقوس التي منعها صدام حسين لسنوات طويلة وقصف قبر الحسين بالصواريخ أثناء الانتفاضة في آذار 1991 بعد حرب الكويت وقبل سقوط نظامه عام 2003 .
ثم تمضي الكاتبة في عرض تفاصيل واقعة كربلاء بقلم موضوعي محايد ينشد الحقيقة وكيف تحدت السيدة زينب الخليفة يزيد في مقر خلافته في الشام التي توفيت فيها ودفنت هناك حيث رمم الإيرانيون قبرها ووسعوا مزارها ليغدو قبلة للزوار الشيعة من جميع أنحاء العالم. واعتبرت المؤلفة أن مأساة كربلاء هي الفعل المؤسس للتشيع المعاصر والمهد الدامي للثيولوجيا الشيعية. حيث وقع ذلك الحدث بعد أقل من نصف قرن من وفاة الرسول . ومنذ ذلك التاريخ انشطر الإسلام إلى شطرين متخاصمين وغير متكافئين بالعدد .
الجرح لم يلتئم بعد فالشيعة يعتبرون أن دم الحسين قد أريق من أجل بقاء رسالة الإسلام حية بينما يعتبره السنة حدثاً سياسياً ليس إلا دفع فيه الحسين ثمن تمرده على الخليفة .
وتحت عنوان فرعي هو :" القرآن الرهينة" تقرر مارتين غوزلان في كتابها أن الحرب الأهلية داخل الإسلام أخذت نص القرآن رهينة لديها. وأبحرت في قضية جمع نصوص القرآن وما رافقها من مشاكل وتحديات وتفسيرات ومشاكل عويصة حيث كانت توجد عدة صيغ وقراءات لسور القرآن المبعثرة في الصدور والذاكرة الجمعية وعلى العظام والجلود وسعف النخيل . وتذكر أن أتباع علي ابن أبي طالب أوجدوا في ذلك الوقت آيات يوصي فيها النبي بتسليم المهمة لابن عمه وصهره علي وقد أثارت تلك الحادثة الخليفة الثالث عثمان ابن عفان الذي شعر ، لأسباب استراتيجية ، بضرورة فرض صيغة موحدة للكتاب في كل أمصار العالم الإسلامي. فقد شكل الخليفة الثالث لجنة من الصحابة لجمع القرآن ومواجهة هذا التحدي والرهان الكبير مما أثار جدالاً واسعاً وخلافات كبيرة فالمعركة بشأن القرآن هي معركة الشرعية . وكان أتباع أهل البيت يبحثون في نصوص القرآن قبل جمعه سنة 650 ميلادية عن براهين ومبررات شرعية لمطالبهم مما يتيح لهم التنظير لإيديولوجيتهم فأقل حركة أو فاصلة أو نقطة أو سياق يمكن أن يغير المعنى المراد كلياً. وكانت طرق التدوين والكتابة في ذلك الوقت توفر مثل هذه الفرصة. أكد بعض الشيعة في ذلك الزمن أن الصيغة التي اختارها الخليفة الثالث كانت ناقصة ومحرفة، وهي صيغة الصحابي زيد واستبعاد بقية الصيغ والنسخ كنسخة إبن مسعود ونسخة علي ابن أبي طالب. وقالت تلك الأطروحة إن علي ابن أبي طالب وحده ، الوريث والمتربي في كنه النبي وأقرب المقربين له ، وهو الذي يمتلك النصوص الكاملة للكتاب المنزل حسب تصريح الباحث الإيراني المعاصر محمد علي أمير معزي ومعه الفيلسوف والمستشرق كريستيان جومبيه اللذين كرسا سنوات طويلة من البحث والتقصي وسط تلك الغابة من النصوص والمصادر الشيعية القديمة. فالقرآن الحقيقي حسب هذين الباحثين هو أكبر ثلاث مرات من حجمه الحالي وأن الصيغة الأصلية الطويلة للقرآن كانت لدى علي ابن أبي طالب والذي أخفاها وانتقلت سراً من إمام إلى آخر إلى أن وصلت إلى الإمام الثاني عشر الذي غاب عن  الوجود واختفى معه إلى ألأبد النص الكامل للقرآن والمسؤول عن هذه الإشكالية وحيثياتها هم غالبية أصحاب النبي والشخصيات المؤثرة في قريش وعلى رأسهم أبو بكر وعمر الذين رفضوا قبول كافة النصوص الأصلية ووافقوا على الاستقطاعات للأجزاء الأهم من تلك النصوص التي كان يتضمنها القرآن الأصلي إلا أن أئمة الشيعة المتأخرين أمروا بالتغاضي عنها وعدم ذكرها بل والتخلي عنها والقبول بالصيغة الرسمية للقرآن التي فرضها الخليفة الثالث وأحرق غيرها من الصيغ والنسخ التي جمعها قراء آخرين كابن مسعود وغيره واختيرت صيغة زيد، وكان ذلك القرار الشيعي قد جاء خوفاً من ردة فعل السنة واتهامهم الشيعة بالزندقة والهرطقة والانحراف والخروج عن الدين كما فعل اليهود والنصارى الذين حرفوا كتبهم المقدسة. فعلى الصعيد الأيديولوجي تستند هذه النظرية إلى قول النبي بتحريف نصوص الأنبياء السابقين له على يد أتباعهم ومريديهم وينطبق ذلك على التوراة والإنجيل. وقد تنازل الشيعة عن معتقد تحريف القرآن كجزء من أصولهم وعقائدهم باسم البراغماتية والرغبة في التعايش النسبي المشترك مع باقي المسلمين لاسيما في القرن العاشر الميلادي إبان الحكم البويهي الشيعي في بغداد والحكم الفاطمي الشيعي في مصر. حيث صدرت أوامر عليا بتبني النص المتداول حالياً كنص وحيد وكامل يرجع إليه المسلمون كافة شيعة وسنة، وبالتالي سيتركز الاختلاف في مجال التفسير والتأويل للنصوص الموجودة فيه. وقد اختلف المسلمون الأوائل في تسلسل السور والآيات، فوضعها بعضهم حسب تسلسل نزولها ، ومعها حواشي تشرح أسباب النزول، وبمن نزلت، ولماذا، وكان منها مصحف فاطمة ومصحف علي إلا أنها اختفت كلها ولم يعد يذكرها أحد. وكتعويض عن هذا الجانب المهم في الطرح الشيعي لجأ الشيعة إلى التأويل والقول بالمعنى الظاهر للقرآن والمعنى الباطن الذي أصبح أرفع غاية للمعرفة الإسلامية، واقتصر فهم واستيعاب وإدراك المعنى الخفي للنص القرآني مقتصراً على الأئمة الإثني عشر من نسل فاطمة المعصومين الذين خصهم الله بالعلم اللدني وسبر أغوار القرآن ومعرفة أسراره الخفية. فالحقيقة تكمن في القرآن الباطن مثلما كان الحال مع الكابلا والمتصوفة اليهود فيما يتعلق بالتوراة.
وفي ختام الفصل استشهدت الكاتبة بشروحات الفيلسوف والمستشرق الفرنسي المتخصص بالإسلام الشيعي الإيراني هنري كوربان الذي ختم بالقول :" على عكس الإسلام السني ، ذو الغالبية الساحقة في العالم الإسلامي، والذي يقول أن البشرية لاتنتظر شيئاً جديداً بعد الرسالة السماوية الأخيرة التي جاء بها النبي محمد، يترك الشيعة المستقبل مفتوحاً أمام العقيدة الإسلامية حتى بعد مجيء خاتم النبوة فهناك خاتم الولاية الذي يواصل مهمة بعث الرسالة. فالإمام علي قال بنفسه بعد معركة صفين ورفع المصاحف على أسنة الرماح:" إن القرآن حمال أوجه وهو نصوص خفية بين دفتي الغلاف، ليس فيه لسان ناطق ويحتاج للتأويل " وهي المهمة التي سيتصدى لها الشيعة ويتخصصون فيها نحو مهمة إنقاذية أو خلاصية جديدة ترتبت على ما آلت إليه أحوال المسلمين بعد فاجعة كربلاء الأمر الذي يرفضه السنة جملة وتفصيلاً.
يتبع

عرض كتاب: السنة والشيعة لماذا يتقاتلون؟ ......2





عرض كتاب: السنة والشيعة لماذا يتقاتلون؟
Sunnites Chiites Pourquoi ils s’entretuent ?
منشورات: سوي 2008 éditions de Seuil
تأليف: مارتين غوزلان Martine Gozlan
وهي كاتبة وصحافية متخصصة بالعالمين العربي والإسلامي. نشرت عدة كتب منها:" الإسلام والجمهورية سنة 1994" و " لنفهم التشدد الإسلامي سنة 1995 والطبعة الثانية المنقحة للكتاب نشرت سنة 2002" و" جنس الله سنة 2004" و " الرغبة في الإسلام سنة 2005" وأعيد نشره في طبعة ثانية في سلسلة كتب الجيب سنة 2008. وهي تعمل اليوم رئيسة تحرير مجلة ماريان الأسبوعية.

يختلف كثير من المؤرخين حول البداية الحقيقية للشيعة، والذي يشتهر عند الناس أن الشيعة هم الذين تشيعوا لعلي بن أبي طالب في خلافه مع معاوية بن أبي سفيان ، ولكن هذا لا يعني أن أتباع علي بن أبي طالب هم الشيعة، وأتباع معاوية بن أبي سفيان هم السُّنَّة. فهناك جزء مهم من السُّنَّة يعتقدون أن الحق في الخلاف الذي دار بين الخصمين كان في جانب علي ، وأن معاوية اجتهد ولم يصل إلى الصواب في المسألة، وعليه فانحياز فكر السُّنة إلى علي بن أبي طالب في هذه القضية واضح.
ومن المؤرخين من يقول: إن بداية الشيعة كانت بعد استشهاد الإمام الحسين. وهذا رأي وجيه جدًّا، فقد عارض الحسين خلافة يزيد بن معاوية، واتجه إلى العراق بعد أن دعاه فريق من أهلها إليها، ووعدوه بالنصرة، ولكنهم تخلَّوْا عنه في اللحظات الأخيرة، وكان الأمر أن استُشهد الحسين في كربلاء كما ذكرنا في القسم الأول من العرض، فندمت المجموعة التي قامت باستدعائه، وقرروا التكفير عن ذنوبهم بالخروج على الدولة الأموية، وحدث هذا الخروج بالفعل، وقُتل منهم عددٌ كبير، وعُرف هؤلاء بالشيعة. وهذا يفسِّر لنا شدة ارتباط الشيعة بالحسين بن علي . ومع ذلك فنشأة هذه الفِرقة لم تكن تعني إلا نشوء فرقة سياسية تعترض على الحكم الأموي، وتناصر فكرة الخروج عليها، ولم يكن لها مبادئ عقائدية أو مذاهب فقهية مختلفة عن أهل السُّنَّة عدا موضوع الإمام الذي اعتبره الشيعة من الأصول. وبالتالي لا بد أن نفهم أولا نظرية (الإمامة) كما كان يقول بها المتكلمون الإماميون الأوائل الذين أسسوا لها . تقول نظرية ( الإمامة الإلهية ) : ان الأرض لا يجوز أن تخلو من إمام ( أي من حكومة ودولة ) وان الإمام ، أي الرئيس أو الخليفة أو القائد الأعلى ، يجب أن يكون معصوما ومعينا من قبل الله ، وان الشورى باطلة ولا يجوز انتخاب الإمام من قبل الأمة ، وتقول النظرية الموسوية، المتفرعة عن الإمامية: إن الإمامة تتسلسل بشكل وراثي عمودي في ذرية علي والحسين إلى يوم القيامة. وهل يوجد مفهوم حقيقي ومعاصر لمصطلحي:"الشيعة" و "السنة"؟
أم إن هذه مفاهيم ومصطلحات تاريخية قديمة وجوفاء؟ وان الأمة الإسلامية اليوم قد تجاوزت الخلاف التاريخي القديم الذي حدث بين المسلمين في القرون الأولى حول شروط الخلافة ومواصفات الخليفة ومن هو أحق بها. وذلك بعد مضي أربعة عشر قرنا على ذلك الخلاف ، وعدم وجود مصاديق خارجية لأهل البيت أو الأئمة المعصومين الذين قال الشيعة الامامية بانحصار الحق الشرعي في الخلافة بهم، من جهة، وكذلك انقراض الخلفاء العباسيين أو العثمانيين الذين قال السنة بحقهم في الخلافة ، من جهة أخرى.
وإذا كان ثمة في التاريخ السحيق معنى معقول للخلاف الذي حدث بين المسلمين الأوائل حول الخلافة، فان ذلك الخلاف، لاشك ، قد انطوى مع الزمن ، ولم يعد له أي معنى جدي أو حيوي معاصر، ولم يعد يتمثل اليوم سوى في بعض المخلفات والقشور والعادات والطقوس والرواسب التاريخية.
ومن هنا فان الأمة الإسلامية – شيعة وسنة – بأمس الحاجة اليوم لمراجعة ذلك الخلاف التاريخي ودراسته بدقة من اجل التخلص من رواسبه السلبية، والتحرر من مخلفاته التي قد لا تزال تشدخ الوحدة النفسية للمسلمين.. أو تؤجج بعض المعارك الوهمية بينهم.
وفي الحقيقة ان كلا من الشيعة والسنة بحاجة الى دراسة الأسس والعناصر التي كونت كلا من المذهبين السياسيين التاريخيين "التشيع" و "التسنن" وملاحظة التطورات الجذرية التي طرأت على المذهبين عبر التاريخ، ومعرفة العناصر المنقرضة والمظاهر المتبقية.. لعلهم يدركون أنهم لا يتمسكون اليوم سوى بأسماء وهمية وشعارات فارغة.. وأن الخلاف الجوهري بينهما قد ذهب مع التاريخ.
عودة إلى ما ورد في كتاب : السنة والشيعة لماذا يتقاتلون؟ لمارتين غوزلان
الفصل الثاني حمل عنوان :" هل هناك إسلامان؟"
إن الفكر العقائدي السني يحاول أن يدعم ويقوي ركائزه الأيديولوجية والعقائدية كونه مهووساً بهاجس التنافس الشيعي الذي يتعقب كل معنى خفي وكل إشارة وكل تفسير باطن يختفي وراء كل كلمة وآية في القرآن والأحاديث . فالفكر الثيولوجي السني يفضل الترديد على البحث والتعمق والتقصي. فالمعلقين الأورثوذوكس السنة لايعلقون أو يجتهدون في التفسير والتأويل بل يكتفون بإعادة إنتاج وترديد النصوص السلفية القديمة. فكل شيء قيل وثبت وشهد وتمت معايشته وكتب مرة وإلى الأبد وساد ذلك الفهم طيلة الحقبتين الأموية والعباسية . فالحاضر هو ترديد وقراءة مكررة للماضي وبالتالي لايجب أن يتحرك، لذلك وجه " الإصلاحيون" المعترضون على السكون والجمود جل نشاطهم وطاقاتهم وتعطشهم للتغيير، نحو الماضي كالوهابيين في القرن الثامن عشر الميلادي والأخوان المسلمين في الربع الأول من القرن العشرين . فالإصلاح الممكن والمرغوب والمطلوب ليس ذلك الذي يعجل ويسرع الزمن ، بل الذي يتسلق الزمن ويتقهقر نحو الماضي التليد . فالتقدم عند الإسلامويين يتمثل بالمضي على الأعقاب أي بخطوات إلى الوراء وليس إلى الأمام. ويتهمون أبناء السنة المعتدلين والتقليديين بأنهم تطورا كثيراً باتجاه شيطاني وتلوثوا بالبدع. فالعربية السعودية، التي جسدت السكون البدوي ـ الفاشي من خلال تبني المذهب الوهابي السلفي المتشدد والمتعصب، أفرزت معارضيها من داخلها وكانوا أكثر تشدداً وتعصباً وانحرافاً من مناصري وأتباع أسامة بن لادن والقاعدة والطالبان. وصاروا ينتقدوها ويلوموها على خنوعها وامتثالها للإملاءات والأوامر الأمريكية وحداثتها الشيطانية التي خانت الإسلام وشرائعه.

أما الجد الروحي للسلفيين المتعصبين والتكفيريين المنتشرين اليوم في كل مكان في العالم، فهو إبن تيمية، وهو واعظ متطرف ومتعصب سوري عاش في القرن الثالث عشر وجلب للمذهب السني بصمته السوداء . فتهجماته وتحريضاته ضد الشيعة متعددة وكثيرة لاتحصى . وهو يدين نزوعهم للباطنية ويعتبرهم من أتباع الباطن والنزعة الماورائية في الإسلام ويردد السلفيون اليوم في كل مكان أقواله وتراثه وكتاباته بتقديس فهي تدور وتنتشر عبر مواقع الانترنيت اليوم كما لوكانت قد كتبت في الوقت الحاضر وهذا مقطع من نص مقتبس من إبن تيمية ومنشور ومأخوذ من موقع إسلاموي فرنسي تحت عنوان " رسالة من مجاهد في العراق إلى الأمة الإسلامية" وهو نص يفيد في خدع النفوس الضعيفة بين الجهاديين السنة المغرر بهم ومليء بالحقد الطائفي الأعمى ، في معمعة الاقتتال الطائفي الدموي الذي نشب على ضفتي دجلة ، يقول النص المقتبس من إبن تيمية :" إن قلب الشيعة مليء بالحموضة والحرقة واللؤوم والمرارة والحقد والضغينة ضد المسلمين الصغار والكبار، الطيبين والسيئين، وإن قمة إيمانهم واعتقادهم هي لعن المسلمين ، من أولهم إلى آخرهم، وهم الأكثر اندفاعاً وضراوة في تمزيق وحدة الأمة الإسلامية، ويعتبرون أفضل القادة المسلمين كالخلفاء الراشدين ، أبو بكر وعمر وعثمان، وعلماء المسلمين ، مرتدين ويوجهون إليهم التهم الباطلة والسباب والإهانات".

كان إبن تيمية قد أصيب بالصدمة من سقوط بغداد إثر هجمات الغزاة المنغول سنة 1258 وكان قد عزا حدوث هذه الكارثة إلى تحالف الشيعة مع المنغول . وفي الواقع كان الشيعة مضطهدون ومطاردون من قبل السنة السلجوقيين الأتراك الذين تمركزوا في عاصمة العباسيين وحكموا في بغداد منذ منتصف القرن الحادي عشر الميلادي لذلك انحاز  الشيعة للخلاص من ظلم السلجوقيين إلى زعيم المنغول هولاكو تنفيذا لفتوى أعلنها المرجع الديني للشيعة آنذاك إبن طاووس وتقول:" الحاكم الكافر والعادل أفضل من الحاكم المسلم الظالم" ويبدو أن سيناريو الغزو الأمريكي للعراق سنة 2003 قد أعاد لأذهان السنة ذلك التحالف البعيد . فشيعة العراق كانوا يأملون ويتمنون أن تخلصهم أمريكا من ظلم صدام حسين وقمعه وبطشه "أي الحاكم المسلم الظالم " المتمثل بصدام، الذي أبادهم وطاردهم حتى في أماكنهم  المقدسة في النجف وكربلاء ولم يرعوي في قصف مراقد الأئمة الشيعة العظام في عام الانتفاضة 1991 و 1999 ، بيد أن أخطاء وتجاوزات واشنطن وعنجهيتها واحتقارها الاستعماري الجديد للشعب العراقي هو الذي ابعد عنها الجماهير الشيعية لأنها لم تمثل الحاكم الكافر والعادل بل كانت ظالمة ومتجبرة هي أيضاً إضافة إلى كفرها، لذلك التحق الكثيرون من أبناء الشيعة بميليشيات جيش المهدي التابعة لمقتدى الصدر تحت ذريعة محاربة قوات الاحتلال . إن هذه المواجهة الشيعية ـ السنية اليوم وعلى صفحات الويب وشبكة الانترنيت العنكبوتية قد عبأت الشباب السنة الفرنسيين ومن أصل عربي مسلم إلى حد التعصب بفعل الخطاب السني السلفي المثير للجدل والقادم من العصور الوسطى الذي أنتجه إبن تيمية، والذي اعتبر الشيعة أسوء من الضالين والمشركين وأحق بالقتل والإبادة من الخوارج والمرتدين وأعداء السنة . وكان إبن تيمية متخلفاً على كل الصعد فهو يكره ويحقد على المرأة ويعتبرها عورة وحرم على النساء لبس الحلي والمجوهرات والزينة واستخدام العطور على عكس ما كان يقول به الإمام علي صهر النبي وبطل الإسلام الذي كان مرهفاً ورحيماً بالأمة وبالنساء.

فهو فحل وله قدرة جنسية هائلة ويحب النساء كما تشير بعض المصادر الشيعية التي تبالغ في صفاته وتغالي في مقامه بينما يحتل عمر ابن الخطاب موضوع التقديس والإعجاب المفرط لدى إبن تيمية والذي لاتحبه النساء وكان يغار من جاذبية علي للنساء كما تقول مارتين غوزلان في كتابها عن الصراع بين السنة والشيعة. فالإمام علي البطل المقدام والشجاع والفحل والأسد أو حيدر الكرار كما يسميه الشيعة، الكريم والرؤوف والعالم الذي يخطب بالمسلمين بالقول الجريء " سلوني قبل أن تفقدوني" ، يكرهه صاحب المدونة الفرنسي السلفي الذي تمتليء مدونته بأقوال وكتابات إبن تيمية ويسمي نفسه أبو أيمن ويدعي أنه يرسل رسائله من العراق ويبث الكذب والافتراء مدعياً أن الشيعة تغلغلوا وتسللوا كالأفاعي للسيطرة على مناصب الجيش والشرطة والمخابرات، أي القوة العسكرية الضاربة وأداة السلطة الحقيقية،مع سيطرتهم على النشاط الاقتصادي على غرار سادتهم اليهود وينمون يوماً بعد يوم آمالهم بخلق دولة رافضية ـ يسمي أهل السنة الشيعة بالرافضة أي الذين يرفضون خلافة الخلفاء الثلاثة الأوائل بعد النبي أبو بكر وعمر وعثمان ـ التي تمتد من إيران مروراً بالعراق وسورية ولبنان وانتهاءاً بالإمارات الكارتونية في الخليج" ولنا في حادثة احتجاج النواب الكويتيين السلفيين على إقامة الواعظ الشيعي الإيراني في الكويت بتهمة سبه للصحابة والمطالبة بطرده أو محاسبة رئيس الحكومة داخل البرلمان، نموذج واضح اليوم لهذا التوتر القائم بين السنة والشيعة في كل مكان في العالم الإسلامي . هذه هي الخلفية التاريخية المريرة التي خلقت حالة التشكك والتوجس والحذر وانعدام الثقة بين الشيعة والسنة سيما في العراق والباكستان، وإلى حد ما في لبنان، التي تنتقل فيها المواجهة إلى صراعات مسلحة دامية في أغلب الأحيان بين الجانبين مما يعيق تحقيق الوحدة الإسلامية إلى أمد طويل . 

متى يتعظون ولاة أمورنا




 متى يتعظون ولاة أمورنا
بعض من السير العطرة لعظماء المسلمين
 الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز
 يوم أن تولى عمر، كان شابًّا مترفًا من بني مروان، يغيِّر في اليوم الواحد ثيابه أكثر من ثلاث مرات، كان إذا مر بسكة شمَّ الناسُ طيبَه، كان يسكن قصرًا في المدينة، وعند والده قصر في الشام، وقصر في مصر، وقصر في العراق، وقصر في اليمن، وأراد الله لأمة محمد عليه الصلاة والسلام خيرًا، فتولى الخلافة. 
حضر وفاة الخليفة، فرأى كيف يصرع الموت الولاةَ، وكيف يعقِر الموت الملوك، وكيف يشدخ الموت رؤوس العظماء.
رأى سليمان بن عبد الملك وهو منطرح على سرير المُلك كالطفل ولقد جئتمونا فُرادى كما خلقناكم أول مرّة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء [الأنعام:94].
كان سليمان يعصره الموت عصرًا، وكان منطرحًا بين يدي ربه يقول: يا من لا يزول ملكه ارحم من زال ملكه، وكان يصرخ قائلاً:
أفلح من كان له كِبارُ             إن بَنيَّ فتيةٌ صغار
يقول يا ليت أبنائي كباراً، يتولون الملك بعدي. فقد أفلح من كان أبنائه كبارًا. قال عمر بن عبد العزيز أمامه: لا والله قد أفلح من تزكى  وذكر اسم ربِّه فصلَّى [الأعلى:14-15]. ومات سليمان، وكتب الخلافة لرجل في كتاب سرِّيّ، لم يُعلَم بعد.
ولما وارى الناس جثمان سليمان، قام رجاء بن حَيْوة أحد علماء المسلمين، فأعلن على المنبر أن خليفة المسلمين، وأمير المؤمنين للعالَم الإسلامي، عمر بن عبد العزيز.
فلما تلقى عمر بن عبد العزيز خبر توليته، انصدع قلبه من البكاء، وهو في الصف الأول، فأقامه العلماء على المنبر وهو يرتجف، ويرتعد، وأوقفوه أمام الناس، فأتى ليتحدث فما استطاع أن يتكلم من البكاء، قال لهم: بيعتكم بأعناقكم، لا أريد خلافتكم، فبكى الناس وقالوا: لا نريد إلا أنت، فاندفع يتحدث، فذكر الموت، وذكر لقاء الله، وذكر مصارع الغابرين، حتى بكى من بالمسجد.
يقول رجاء بن حيوة: والله لقد كنت أنظر إلى جدران مسجد بني أمية ونحن نبكي، هل تبكي معنا !! ثم نزل، فقربوا له المَراكب والموكب كما كان يفعل بسلفه، قال: لا، إنما أنا رجل من المسلمين، غير أني أكثر المسلمين حِملاً وعبئاً ومسئولية أمام الله، قربوا لي بغلتي فحسب، فركب بغلته، وانطلق إلى البيت، فنزل من قصره، وتصدق بأثاثه ومتاعه على فقراء المسلمين.
نزل عمر بن عبد العزيز في غرفة في دمشق أمام الناس؛ ليكون قريبًا من المساكين والفقراء والأرامل، ثم استدعى زوجته فاطمة، بنت الخلفاء، أخت الخلفاء، زوجة الخليفة، فقال لها: يا فاطمة، إني قد وليت أمر أمة محمد عليه الصلاة والسلام – وتعلمون أن الخارطة التي كان يحكمها عمر، تمتد من السند شرقًا إلى الرباط غربًا، ومن تركستان شمالاً، إلى جنوب أفريقيا جنوبًا – قال: فإن كنت تريدين الله والدار الآخرة، فسلّمي حُليّك وذهبك إلى بيت المال، وإن كنت تريدين الدنيا، فتعالي أمتعك متاعاً حسنًا، واذهبي إلى بيت أبيك، قالت: لا والله، الحياة حياتُك، والموت موتُك، وسلّمت متاعها وحليّها وذهبها، فرفَعَه إلى ميزانية المسلمين.
ونام القيلولة في اليوم الأول، فأتاه ابنه الصالح عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز، فقال: يا أبتاه، تنام وقد وليت أمر أمة محمد، فيهم الفقير والجائع والمسكين والأرملة، كلهم يسألونك يوم القيامة، فبكى عمر واستيقظ. وتوفي ابنه هذا  قبل أن يكمل العشرين.
عاش عمر – رضي الله عنه – عيشة الفقراء، كان يأتدم خبز الشعير في الزيت، وربما أفطر في الصباح بحفنة من الزبيب، ويقول لأطفاله: هذا خير من نار جهنم.
يذهب فيصلي بالمسلمين، فكان أول مرسوم اتخذه، عزل الوزراء الخونة الظلمة الغشمة، الذين كانوا في عهد سليمان، استدعاهم أمامه وقال لشريك بن عرضاء: اغرُب عني يا ظالم رأيتك تُجلس الناس في الشمس، وتجلد أبشارهم بالسياط، وتُجوّعهم وأنت في الخيام والإستبرق.
واستدعى الآخر وقال: اغرب عني والله لا تلي لي ولاية، رأيتك تقدم دماء المسلمين لسليمان بن عبد الملك. ثم عيّن وزراءه وأمراءه من علماء وصُلَحاء المسلمين.
وكتب إلى علماء العالم الإسلامي رسالة، إلى من؟ إلى الحسن البصري، ومُطرّف بن عبد الله بن الشّخِّير، وسالم بن عبد الله بن عمر؛ أن اكتبوا لي كتبًا انصحوني وعِظوني، قبل أن ألقى الله ظالماً، فكتبوا له رسائل، تتقطع منها القلوب، وتشيب لها الرؤوس.
كتب له الحسن: يا أمير المؤمنين صم يومك، لتفطر غدًا. وقال سالم: يا أمير المؤمنين، إنك آخر خليفة تولَّى، وسوف تموت كما مات من قبلك. وخوّفوه ووعدوه.
وجعل سُمَّاره سبعة من العلماء، يسمرون معه بعد صلاة العشاء، واشترط عليهم ثلاثة شروط:
الشرط الأول: ألا يُغتاب مسلم.
الشرط الثاني: ألا يُقدِّموا له شِكاية في مسلم، التقارير المخزية في أعراض المسلمين، وفي كلمات المسلمين، ومجالس المسلمين، أبى أن تُعرض عليه أو تُرفع إليه.
الشرط الثالث: ألا يمزح في مجلسه، إنما يذكرون الآخرة وما قرب منها، فكان يقوم معهم، وهم يبكون، كأنهم قاموا عن جنازة.
ثم صعد عمر – رضي الله عنه – المنبر وأعلن سياسة حكومته الجديدة، وأتى بمزاحم مولاه، وهو مولىً أسود، قوي البُنية، يخاف الله. قال: يا مزاحم، والله إني أحبك في الله، أنت وزيري. قال: ولِم يا أمير المؤمنين، قال: رأيتك يومًا من الأيام تصلي وحدك في الصحراء صلاة الضحى، لا يراك إلا الله. ورأيتك يا مزاحم تحب القرآن، فكن معي، قال: أنا معك. فاعتلى عمر بن عبد العزيز المنبر، وكان بيده دفتر، كتب فيه معلومات ضرورية، عن خطوط عرضة لدولته وخلافته، ووقف مزاحم بالسيف، والأمراء الظلمة من بني أمية، الذين أخذوا أراضي الناس، وبيوت الناس، وقصور الناس، وضربوا وجوه الناس، وآذوا الناس، جعلهم في الصف الأول.
قال عمر: أولاً: هذا كتاب عبد الملك بن مروان، بإقطاعية الأرض لكم يا بني مروان، وقد صدق الله، وكذب عبد الملك بن مروان، ثم قطع الصك، ثم قال: ائتني بصكوك بني أمية، فسلم له صكاً للعباس بن الوليد بن عبد الملك، أخذ أرضاً شاسعة، يمكن أن تكون أرض مدينة، فأخذه بالمقص فقصّه كله وأتلفه، وقال: لا حقَّ لك في ديار المسلمين، قال: يا أمير المؤمنين أعد لي أرضي وإلا لي ولك شعري – يتهدده – قال: والله إن لم تسكت ليأتيني مزاحم برأسك الآن، فسكت، ثم أتى إلى الصكوك طيلة صلاة الجمعة، يُشققها طولاً وعرضاً، لأنها صكوك بُنيت على الظلم.
واستمر به الحال على هذا المستوى، واستدعى مهاجرًا أحد الوزراء، وقال: كن بجانبي، فإذا رأيتَني ظلمت مسلمًا أو انتهكت عرضاً، أو شتمت مؤمناً، فخذ بتلابيب ثوبي وقل: اتق الله يا عمر. فكان وزيره مهاجر يهزه دائمًا، ويقول: اتق الله يا عمر.
أما حياته الشخصية فحدّث ولا حرج، كان إذا صلى العشاء دخل مصلاه، فيستقبل القبلة، ويجلس على البطحاء، ويُمرّغ وجهه في التراب، ويبكي حتى الصباح.
قالوا لامرأته فاطمة بعد أن توفي: نسألك بالله، أن تصِفي عمر؟ قالت: والله ما كان ينام الليل، والله لقد اقتربت منه ليلة فوجدته يبكي وينتفض، كما ينتفض العصفور بلَّله القطْر، قلت: مالك يا أمير المؤمنين؟ قال: مالي !! توليت أمر أمة محمد، وفيهم الضعيف المجهد، والفقير المنكوب، والمسكين الجائع، والأرملة، ثم لا أبكي، سوف يسألني الله يوم القيامة عنهم جميعاً، فكيف أُجيب؟!
عليك سلامُ اللـه وقفًا فإننـي            رأيت الكريم الحرَّ ليس له عُمْر
ثوى طاهر الأردان لم تبْقَ بقعةٌ             غداة ثوى إلا اشتهت أنها قبرُ

أتى إلى بيت المال يزوره، فشم رائحة طيب، فسدّ أنفه، قالوا: مالك؟ قال: أخشى أن يسألني الله – عز وجل – يوم القيامة لم شممت طيب المسلمين في بيت المال. إلى هذه الدرجة، إلى هذا المستوى، إلى هذا العُمق.
دخل عليه أضياف في الليل، فانطفأ السراج في غرفته، فقام يصلحه، فقالوا: يا أمير المؤمنين: اجلس قال: لا، فأصلح السراج، وعاد مكانه، وقال: قمت وأنا عمر بن عبد العزيز، وجلست وأنا عمر بن عبد العزيز.
كان عالماً مجتهداً يُفتي للمسلمين فتح الله عليه من فتوحاته، لأنه يتقي ربه، ويعدل في رعيته.
خرج في نزهة يومًا، فمروا به على حديقة من حدائق دمشق العاصمة، فوقف يبكي على سور الحديقة، قالوا: مالك؟ قال: هذا نعيم منقطع، فكيف بجنة عرضها السماوات والأرض، أوّاه، لا حُرمنا الجنة.
ومر يوم العيد، بعد أن صلى بالمسلمين، وهو على بغلته، مرَّ بالمقابر، فقال: انتظروني قليلاً – ذكر ذلك ابن كثير – انتظروني قليلاً فوقف الوزراء، والصلحاء، والأمراء، والناس، ونزل عن بغلته، فوقف على المقبرة، التي فيها الخلفاء من بني أمية، والتي فيها الأغنياء، وقال:
أتيت القب،ورَ فنـاديتهـا         أيـن المعظّـَم والمحتقـر
تفانوا جميعًا فمـا مخبـرٌ         وماتوا جميعًا ومات الخبـر
فيا سائلي عن أناس مضَوْا أمـالَك فيما مضـى معتبر
ثم وقف على طرف المقبرة وقال: يا موت، ماذا فعلت بالأحبة؟ يا موت ماذا فعلت بالأحبة؟ ثم بكى وجلس ينتحب، حتى كادت أضلاعه أن تختلف، ثم عاد إلى الناس، وقال: أتدرون ماذا قال الموت؟ قالوا: ما ندري. قال: يقول بدأت بالحدَقتين، وأكلت العينين، وفصَلت الكفين من الساعدين، والساعدين من العضدين، والعضدين من الكتفين، وفصلت القدمين من الساقين، والساقين من الركبتين، والركبتين من الفخذين.
باتوا على قُلَلِ الآمال تحرسهم                غُلبُ الرجالِ فما أغنتهم القُلَلُ
واستُنْزِلوا بعد عزٍّ من مساكنهم                إلى مقابرهم يا بئس ما نزلوا
وقف يومًا من الأيام وقال: والله لا أعلم ظالماً إلا أنصفتكم منه، ولا يحول بيني وبين الظالم أحد، حتى آخُذ الحق منه، ولو كان ابني. قال الناس: صدقت.
كان يدور في ظلام الليل يسأل: هل من مريض فأعوده، هل من أرملة فأقوم عليها، هل من جائع فأطعمه. يقول أحد ولاته: ذهبت إلى إفريقيا، أوزع الزكاة، فو الله ما وجدت فقيراً في طريقي، لقد أغنى عمر بن عبد العزيز الفقراء، فما بقي فقير، ولا جائع، ولا مَدين، ولا شاب أعزب!!
كان يُصلي الجمعة، فيقوم نوّابه، معهم دفاتر بأسماء الناس، فيوزع الأُعطيات على طلبة العلم، واليتامى، والمساكين، والمرضى، والأرامل، والمحتاجين، والمعوزين، فيهتفون بعد الصلاة: اللهم اسق عمر بن عبد العزيز من سلسبيل الجنة، ونحن نقول: اللهم اسق عمر بن عبد العزيز من سلسبيل الجنة.
ضَمُر جسمه بعد الخلافة، أصبح وجهه أصفر شاحباً، يقول أحد العلماء: والله لقد رأيت عمر بن عبد العزيز وهو والٍ على المدينة المنورة، فرأيته بضًّا أبيض سمينًا، فلما ولي الخلافة، رأيته يطوف وقد رفع الإحرام عن جنبه، ووالله لقد كنت أعد عظام ساعديه من الضعف والضمور.
دخل عليه زياد المولى أحد العلماء، فرأى وجهه شاحبًا باكيًا، أثر الدموع في أجفانه، أثر الجوع والفقر على خديه، ثوبه مُرقّع، قال: يا أمير المؤمنين: أين القصور التي كنت تسكنها، والملابس التي كنت تلبسها، والنعيم الذي كنت تعيشه، قال: هيهات يا زياد، ذهب ذلك، لَعلّي تغيرت عليك. قال: أي والله، قال: كيف بي لو رأيتني بعد ثلاث ليالٍ، إذا طُرحت في القبر، وقطعت أكفاني، وسار الدود على خدي، وأكل عيني، ووقع التراب على أنفي، والله لقد كنت أشدّ تغيرًا مما تراه!!
وقف في يوم عيد الفطر يستقبل المسلمين، ويرحب بالمؤمنين، وإذا بكوكبة من الشعراء عند باب الغرفة، يريدون الدخول، قال له البوّاب: شعراء يريدون الدخول عليك على عادتهم السابقة عند الخلفاء، يدخل أحدهم بقصيدة خاطئة كاذبة، يمدح نفاقًا، يثني بكلام مجاملة، فيصف الخليفة بأنه محرر الشعب، وبأنه كافل الأيتام، وبأنه أستاذ المشاريع، وبأنه درة الأفق.
فقال للبواب: من بالباب؟ قال الفرزدق. قال: والله لا يدخل عليَّ عدو الله وقد سمعته يتغزل في بنات المسلمين. ومن الآخر؟ قال: الآخر نصيب. قال: ليس له عندي نصيب ولا يدخل علي؛ سمعته يفتري في شعره. ثم قال: ومن الثالث؟ قال: الأخطل. قال: حرام على ابن النصرانية أن يطا بساطي.
والرابع: قال: الرابع عمر بن أبي ربيعة قال: أما آن له أن يتوب إلى الله، والله لا ترى عيني وجهه. ومن الخامس؟ قال: جرير. قال: إن كان ولا بد، فأدخل جريرًا، فلما دخل قال له:
فما كعبُ ابن مامةَ وابن سعدي             بأفضل منك يا عمر الجوادا
تعوّد صـالح الأخـلاق إنـي                  رأيتُ المرء يلزم ما استعادا
قال عمر: اتق الله يا جرير، لا تكذب في شعرك، فإن الله سوف يسألك عن هذا. قال يا أمير المؤمنين: أعطني قال: ما وجدت للشعراء في كتاب الله عطاء، إن كنت فقيرًا أو مسكينًا أو ابن سبيل أعطيناك.
إنها مدرسة الجدية، والنصح، والعمق، وعدم الضحك على الذقون؛ أعرابي يدخل يمدح، ويأخذ الدنيا بما فيها، وينسى الفقراء، يموتون جوعًا وعُريًا على الأرصفة!!
شاعر كذاب متملّق، يمدح بشيء من الهراء، يأخذ من المال ما يغطي رأسه، والأطفال في حجور أمهاتهم يتضوّرون جوعًا، لا يفعل ذلك عمر، إنه عاقل، إنه جهبذ، إنه عبقري.
قال جرير: أنا فقير، قال: خذ مائتي درهم من مالي، ليس من بيت مال المسلمين. قال جرير: فو الله لقد كان هذا المال أبرك مال رأيته في الحياة.
وأتت سكرات الموت، أتدرون كم تولى الخلافة؟ سنتين، لكنها عند الله – عز وجل – أفضل من قرنين، إنني أعرف أناسًا في التاريخ، تولى الواحد منهم خمسين سنة، فلما مات لعنه المسلمون، وإن بعضهم تولى أربعين سنة، فلما مات بشّر بعض المسلمين بعضهم بموته، فليس العمر بالكثرة، العمر بالبركة، تولى سنتين، فأزال الظلم، فتح بابه، فتح صدره، فتح عينه، فتح قلبه ففتح الله عليه.
حضرته سكرات الموت، فجمع أبناءه السبعة أو الثمانية، فلما رآهم بكى واستعبر، ودمعت عيناه، ثم قال لأبنائه: والله ما خلّفت لكم من الدنيا شيئًا – عنده غرفة واحدة – إن كنتم صالحين فالله يتولى الصالحين، وإن كنتم فجَرة فلن أُعينكم بمالي على الفجور. تعالوا، فاقتربوا فقبّلَهم واحدًا واحدًا، ودعا لهم، وكأن قلبه يُسَلُّ من بين جوارحه، وخرج أبناؤه.
قال أهل التاريخ: أغفى التاريخ إغفاءة عن أبناء عمر بن عبد العزيز السبعة أو الثمانية، وقد خلّف لكل واحد منهم اثني عشر درهمًا فقط، وأما هشام بن عبد الملك الخليفة، فخلّف لكل ابن من أبنائه مائة ألف دينار، وبعد عشرين سنة، أصبح أبناء عمر بن عبد العزيز، يُسرجون الخيول في سبيل الله، منفقين متصدقين من كثرة أموالهم، وأبناء هشام بن عبد الملك في عهد أبي جعفر المنصور، يقفون في مسجد دار السلام، يقولون: من مال الله يا عباد الله!










إنَّ من حفظ الله حفظه الله، ومن ضيّع الله ضيّعه الله، هذه سنة من سنن الله – عز وجل – ثم أمر عمر أبناءه بالخروج فخرج أطفاله أمام عينيه، ينظر إليهم، ومع كل طفل يخرج، قطَرَات من الدموع تسقط، وقال: أَدخِلوا أمّكم عليَّ، فدخلت امرأته، فودعها، وسألها أن تتقي الله، وأن تبقى على الزهد وعلى الفقر، لتكون زوجته في الجنة، ثم قال: يا فاطمة، إني أرى نفَرًا، ليسوا بإنس ولا جن، أظنهم ملائكة، فاخرجي عنّي، فخرجت زوجته، وأغلقت الباب، ودخل الملائكة على عمر بن عبد العزيز مبشرة إنّ الذين قالوا ربُّنا الله ثم استقاموا تتنزّل عليهم الملائكةُ ألا  تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنةِ التي كنتم توعدون  نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدَّعون. نُزُلاً من غفور رحيم [فصلت:30-32].
مات عمر، وفتحت زوجته الباب فوجدته في عالم الآخرة، سلام عليك يا أيتها النفسُ المطمئنة  ارجعي إلى ربِّك راضيةً مَرضية  فادخلي في عبادي  وادخلي جنّتي

وبعد كل هذا هل يتقي حكامنا وولاة أمورنا في عباد الله هل يتقي علماء ديننا ومشايخنا الله في عباده كلام اتركه لكم وانتم الحكم 

هل تملك زمام نفسك؟!







كثيرًا ما كانت تتردد عبارة: “كيف ننتصر وبيننا أصحابُ الذنوب؟! ” ربما تختلف مع الجملة أو تتفق، ولعل التعبيرُ غير صحيح، فكلنا أصحابُ ذنـوب. إلا أن علينا أن نلتفت للمعنى المُراد منها. فلعل السؤال يكون

كيف تقود الأمة، ولم تملك زمام أمرك بعد؟!

إن أخطر شيء في حياة من يحمل الرسالة، هو أن يؤتى من قِبل نفسه؟ فمهما كانت الظروف المحيطة به، لا تستطيع إضعافه كما تفعل نفسه. ولا يستطيع المرء هذا الثبات إلا حين يخالف هواه ليحل محله دين الله عز وجل.
من الخواطر الرائعة التي قيلت حول الآية :” قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي”
أن تملك نفسك ويرزقك الله التمكين في النفس أي لم تعد تستثقل الطاعات، وقيام الليل، لم تعد تميل نفسك لسماع الأغاني أو الأفلام، أو اختلاس نظرة عابرة هنا أو هناك. يعني أن تقيم علاقة مع القرآن، أن تكون في واقع مريض لا يمنعك من أن تملك نفسك إذا فقدت التأثير فيمن حولك.

نبي الله يوسف عليه السلام:

لما ألقاه إخوته في الجب.. كان في كربٍ شديد، يود الخروج من هذا الكرب، وهو الآن في موضع الضعف، ثم لما صار في موضع القوة ولقي إخوته نادمين كان بإمكانه الانتقـام منهم إن لم يخالف هواه، هنا نفسه تكون ضده، فكيف إن هو لم يعتد مخالفتها لوافق شرع الله عز وجل؟
وفي موقفه مع امرأة العزيز؛ حين خالفها وخالف هوى نفسه. بالله كيف ينجو من هذا الموقف لو أنه يطيع هواه دائمًا ولا يخالفه ليحل محله دين الله عز وجل؟! فإن النفس تصير ضعيفة جدًا باتباعها هواها.

رسول الله صلى الله عليه وسلم:
في مبلغ حزنه لوفاة أنسه خديجة رضي الله عنها من كانت تمسح حزنه، ووفاة عمه أبي طالب من كان يدفع عنه الأذى. ما لم يكن قلبه معلقٌ بالله عز وجل، كان ليركن إلى الظالمين، أو يترك تبليغ دعوة رب العالمين.
إلا أنه شق من الأزمة طريقًا لاستكمال رسالته، فذهب إلى الطائف مشيًا على قدميه، وهناك لقي ما لقي من الأذى صلى الله عليه وسلم، وبينما هو يستريح في ظل شجـرة أتى إليه غلامٌ يدعى عداس بتمر؛ فإذا بعداسٍ هذا من قرية نبي الله يونس عليه السلام في رسالة للنبي صلى الله عليه وسلم من ربه بعد كل هذا الذي لاقاه، أنه ما ينبغي له أن يترك تبليغ رسالته أبدًا.
فكان دعاء النبي صلى الله عيه وسلم ذلك الدعاء الجليل الذي حمل أسمى المعاني، وكان فيه كل الرضا فقط الخوف من أن يكون قصر في دعوته.



“إن لم يكن بك غضبٌ على فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي”
 

غلام الأخدود:  في ثباتٍ واعتزاز مضى في الدرب وحيدًا، يستمد عزته وثباته من تلك الدعوة التي يبلغهـا

القوة النفسية:

فالقوة النفسية للمرء، تكمن في أمرين مهمين: مخالفة هـواه، ليوافق شرع الله عز وجل، الاعتزاز بما تخـوض المعركة من أجله.
فإنك إن لم تكن تدرك قيمته في الدنيا والآخـرة، فأنى لك الصبر على الوحدة، وأن تكون مختلفًا بين الناس. هذا الاعتزاز والثبات يمكنك ألا تذوب في عادات المجتمعات وما يملؤها مما يخالف شـرع الله، بل كلما تعاظمت قيمته في نفسك، تبدأ أنت بصناعة التغيير وجذبهم إلى قيم الإسـلام.
وعلى الجانب الآخـر، لما تناسينا أن المعركة في أصلها دينية! نسينا أننا نخوض كل هذا لإقامة دين الله عز وجل، الذي نفرط فيه كثيرًا في طريقنا لإقامته!
فمالت قلوبنا، واتبعنا أهواءنا، وصار المهم أننا نحمل الفكرة الفلانية، وننتمي للجهة الفلانية. بغير أن نزكي أنفسنا ونطهرها ونستقوي بالله رب العالمين. فتارة كدنا نركن للظالمين، وتارة تعلقت قلوبنا بغير الله عز وجل، وتارة أُخرى أهملنا عبادتنا وضعفت أنفسنا. إن الحياة عقيدةٌ وجهاد.. والعقيدة علمٌ وعمل ..فكرٌ وإيمان.
ولا يسعك أن تقول أن هؤلاء أنبياء وأنهم معصومون! لأن الله لما أرسل كتابًا لكل قوم، أرسل معه نبي ليكون هو النموذج الحي الذي يُقتدى به. وقال الله تعالى:
“لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا “
إنما جاءوا لنقتدي بهم ونمضي على دربهم.
ولا تنسى أنك هنا لتصنع التغيير، وتأخذ بيد الناس إلى طريق رب العالمين.. كلما ضعفت همتك تذكر أنك ستُسأل عن نفسك، وعن هؤلاء.
Blog Tips
Blog Tips
2009@ سوالف عراقية

اشترك معنا في سوالف عراقية