حضارة الغزو والأحتلال




حضارة الغزو و الاحتلال

خالد القشطيني

          قدر لي ان اواجه زميلا لا يراني الا وصرخ بي " انتو يا خونة اللي جبتوا الامريكان لبلدنا! مبروك عليكم!" هذه تهمة اصبحت تواجه كل من دعوا الغرب للتدخل في العراق لأسقاط صدام. كثيرا ما سألونني، هل سمعت عن وطني يأتي بالاجنبي لغزو بلده؟ آن لي ان اسجل جوابي.
          نعم! و اكثر من ذلك، جل ما ينعم به البشرمن تقدم يعود لغزو شعب متقدم ارض شعب متخلف. الامثلة عديدة. من قام بتطوير اوربا المتخلفة غير الرومان الذين غزوها ؟ الم يفعل المسلمون مثل ذلك في نشرالاسلام؟ و لكن المثال الاجدر بالملاحظة نجده فيما يسمى بالثورة المجيدة. عانى الانكليز من حكم جيمس الثاني. فاتصلوا سرا بملك هولندا،وليم اورنج ليغزو بلدهم و ينقذهم من هذا الملك المستبد. جاء وليم بجيشه  وغزى انكلترا (1688). فر جيمس الثاني لفرنسا و راح هو ايضا يستعدي الاجنبي، فرنسا  لغزو بلده و لكنه لم يفلح. نصب الانكليز وليم اورنج ملكا عليهم باسم  وليم الثالث بعد ان فرضوا عليه التوقيع على الدستور الجديد الذي  نص على عدم تدخل البلاط بالشؤون المالية. تركوا ذلك  للبرلمان الذي تشكل من الطبقة البرجوازية فنظمت الاقتصاد بالشكل الذي مهد للثورة الصناعية و بنى الامبراطورية البريطانية و اطلق في انكلترا الشرارة التي اوقدت هذه المدنية الغربية المعاصرة.
          جل ما في العراق من تنظيمات ادارية و تشريعية و فنية ( كالسكك الحديدية و البريد و المتحف العراقي...الخ.) يعود لأيدي الانتداب البريطاني. و كل ما نعاني منه اليوم من فساد و محسوبيات وطائفيات و اقليميات واختلال الأمن يعود للأيدي الوطنية!
          حاول الثوار الليبيون المكابرة اولا برفض اي تدخل اجنبي. لم تمض غير ايام قليلة حتى ثابوا لرشدهم فدعوا " تعالوا يا ناس و ساعدونا."  جاءت طائرات النيتو و مكنتهم من النصر. و لكنني شخصيا اقول ان المهمة لم تنته بعد. على الليبيين ان يوجهوا نداء آخر للنيتو: " تعالوا ياناس وساعدونا في ادارة بلدنا!". بالطبع لن يفعلوا ذلك. وسترون ما سيحصل. و الله على ما اقول شهيد.
          المؤسف ان الاحتلال الامريكي للعراق لم يحظ بصفحة مشرفة. الشيء المشرف فيها اعتذارهم بفشلهم و تخبطهم. يا ما كتبوا عن ذلك. انا شخصيا اعزو الكثير منه لعدم خبرة الامريكان في ادارة شؤون الشعوب الافرواسيوية.
          شكى انصار تيتو لستالين عن قيام الجنود السوفييت باغتصاب النساء. اجابهم بأن هذا الجندي السوفيتي جاء من اقاصي الارض و تحمل ما تحمل من الشدائد و الاخطار ليحرركم من النازيين و انتم تأتون هنا لتشكوا عن مواقعته بنتا من بناتكم؟ هذا ما يفعله العساكر دوما. و لم تصل تجاوزات الانكليز و الامريكان مثل ذلك قط. بيد ان ستالين لم يحقق في تجاوزات عساكره. الغربيون كشفوا عنها  وعاقبوا المسؤولين . هكذا تعمل الديمقراطيات.
          زرت معسكرا امريكيا في بغداد. رأيت السأم و القرف و الكآبة بادية عليهم. لم يجدوا اي بهجة او معزة او مسرة في مقامهم هنا. قال احدهم: " جئنا نحررهم واذا بهم يطلقون النارعلينا!" شعروا ما نشعربه . لم يعد في بغداد ما يسر النفس.   
          قرروا الرحيل وتركونا في هذا السوآل. ما الذي سيحدث؟ الجواب تكهنات مختلفة. لن اغامر بأي منها. و لكن سأغامر بهذا الدعاء. الحفاظ على وحدة العراق شيء اساسي. و لضمان ذلك على الجميع ان يلتفوا حول الحكومة القائمة، مثلما عليها ان تسعى لصيانة وحدة الوطن بصيانة حقوق كل المواطنين. أي سعي لتغيير القبطان وسط العاصفة يفضي لغرق السفينة.  

0 comments:

Blog Tips
Blog Tips
2009@ سوالف عراقية

اشترك معنا في سوالف عراقية