ذاكر أقلّ، ذاكر بذكاء: ملخص محاضرة مارتي لوبديل في مشاكل المذاكرة – الجزء الثاني




فصّلت في الجزء الأول عدّة نقاط ومشاكل يواجهها الطلاب في تحصيلهم الدراسي، وكيف قدم مارتي لوبديل في محاضرته في جامعة بيرس بعض الحلول البسيطة لتلك المشاكل. وأضع بين أيديكم هذه المرة بقية ملخصي لتلك المحاضرة، مصحوبة بمحاضرة الرجل مرئية في نهاية المقال لمن شاء أن يرجع إليها.

المشكلة الخامسة: خدعة المعرفة

Dado-informação-e-conhecimento
كيف يبدأ أحدنا مذاكرته؟ تأتي بقلم تحديد أصفر أو أخضر أو أياً كان لونه، تلك الأقلام التي تبرز بها العبارات المهمة داخل الكتب، ثم تبدأ في قراءة الفصل الذي عليك مذاكرته، وتمر بقلمك في نفس الوقت على ما تراه مهماً.
ما يحدث في الغالب أنك تحدد ما تجده مهماً فور قراءتك له، ثم تنهي الفصل وتنتقل إلى غيره أو تعود إلى بدايته تراجعه مرة أخرى، وماذا يحدث حينها؟
تنظر إلى ما حددته بالقلم، ثم تقول “اه، هذه أعرفها!” تظن نفسك تذكرها. لكن ما يحدث هو أنك تتعرف عليها، لكنك ﻻ تذكرها! ما الفرق؟
مثلاً، أمسك مجلة في منزلك لم تنظر فيها منذ زمن، سينتابك إحساس أنك تعرف كل إعلان أو مقال في تلك المجلة، كلما قلبت صفحة قلت لنفسك “آه!، أنا أعرف ذلك المقال، أنا قرأت ذلك الإعلان من قبل!”. لم ﻻ نختبر ذلك؟ قبل أن تقلب صفحة في تلك المجلة، انظر إلى السقف وحاول توقع ما سوف تجده في الصفحة التالية!؟ لن تستطيع! هذا لأنك تخلط بين التعرف على الأشياء وتذكرها المبني على فهمها ودراستها.
بالعودة لمثال الاستذكار بقلم التحديد، فإن أغلبنا حين يعود للمراجعة بعد زمن أو حتى بعد أيام من استذكار ذلك الفصل الذي قمنا بتحديد المهم فيه، فإننا نقول لأنفسنا في كل مرة نرى جملة حددناها من قبل “آه، أنا أذكر هذه”، فننتقل إلى ما بعدها، وهكذا.
وبتلك الطريقة فإننا نضيع على أنفسنا مذاكرة أهم أجزاء في ذلك الفصل، لأننا وقعنا في فخ وهم معرفة تلك الجمل وفهمها لمجرد أننا تعرفنا عليها عندما رأيناها، لهذا نأتي في اليوم التالي في امتحان ونحن ﻻ نذكر شيئاً! ونضرب أخماساً في أسداس على العلم الذي نظن أنه تبخر من رؤوسنا بسبب رهبة الامتحان.
إذاً كيف أعرف أنني فهمت جملة ما أو قانوناً بعينه؟ حسناً، اقرأ تلك الجملة، ثم اقرأ الجملة التالية لها أو الجملة التالية مما حددته. ثم ارجع إلى الجملة الأولى، وانظر للسماء وحاول أن تُعبّر عن تلك الجملة بأسلوبك أنت.
أو في تجربة أخرى تستطيع استعمالها في أماكن عديدة في مذاكرتك، حاول كتابة تلك الجملة في دفتر تلخيص أو دفتر تسجل فيه ما تفهمه من كل فصل، لكن بأسلوبك أنت.
مثال على هذا: بعد إنهاء قراءة صفحة أو فصل وفهم رسوماته التوضيحية وقوانينه إن كان في باب من أبواب العلوم، وتطبيقها على مثال أو اثنين بنية فهم مبدأ عمل ذلك القانون، اترك الكتاب واجلب صفحة بيضاء لتكتب فيها كل النقاط التي تظن أنك فهمتها من تلك الصفحة أو الفصل الذي قرأته للتو، دون النظر إلى الكتاب، وقارن بين الاثنين.
هذا ليس اختبار نجاح ورسوب، بمعنى أنك إذا وجدت تحصيلك ضعيفاً، فانظر أي العناصر سقطت منك وأعد عليها مرة أخرى قراءة وأمثلة ونظراً في كتب أخرى إن تطلب الأمر ذلك! ثم بعد أن تتأكد أنك قد فهمت جيداً، كرر الأمر مرة أخرى، اجلب ورقة بيضاء وسجل فيها ما فهمته من الفصل.
كما أن النوم الجيد يساعد على حفظ المعلومات في الدماغ ومعالجتها بشكل أكفأ، إذا لم تكن تحظى بقريب من ثمان ساعات فإنك لا تساعد دماغك على إبقاء المعلومات داخله. لكن الطريف في الأمر كما يقول لوبديل، أن لا مال يمكن كسبه من إخبار الناس أن يحظوا براحة جيدة! لذا لا تسمعه كثيراً على التلفاز.
إذا كان لديك أشياء مهمة تريد إنجازها، ولا تشعر أن لديك وقتاً كافياً، فحينها عليك أن تحسب وقتك فيمَ ينقضي كل يوم، ثم تتخلص من بعض أنشطتك وتضحي بها في سبيل الحصول على ما تريد. تذكّر أن الناس لا تتبرع من أعمارها لأحد، وإن حدث فهو فيلم فانتازيا غير حقيقي من أفلام هوليوود. ولا يمكنك الحصول على كل ما تريد من متع الدنيا دون أن تقدّم بعض التضحيات من عمرك وصحتك وحياتك الاجتماعية.
وهذا يعني تنفيذ تجربة قد تكون مملة للبعض، تستخدم فيها مفكرة صغيرة، سواءً ورقية أو إلكترونية، وتسجل كل نشاط تقوم به في اليوم، مصحوباً بالوقت المستغرق، وكرر الأمر على عدة أيام، ثم فصّل تلك النتائج على لوحة أو ورقة كبيرة، لتكتشف كم الساعات الضائعة في نشاطات تافهة، وربما تشعر بالاستنكار إذا علمت أنك قضيت ثلاثين ساعة من أصل ثلاثة أيام في النوم فقط!!

المشكلة السادسة: كيف تقرأ الكتب؟

Girl-reading-book-
تشرح هذه النقطة أسلوب SQ3R:
  • Survey
  • Question
  • Read
  • Recite
  • Review
يقول مارتي أن الكتب العلمية أو الدراسية صُممت لا لتكون مثل الروايات، بل لتساعدك على التعلّم، لكن الطلاب لم يتعلموا كيف يستخلصوا تلك المعلومات بالشكل الأمثل من تلك الكتب.
وعلى عكس الرواية التي لا تريد النظر إلى آخر صفحة فيها لكي لا تفسد على نفسك متعة الحبكة الروائية، فإن الكتب الدراسية يجب أن تتصفح ما تريد مذاكرته أولاً قبل مذاكرته، فهذا أول جزء من SQ3R، وهو التصفح.
ثم تأتي بعد ذلك مرحلة طرح الأسئلة، فتنظر إلى ما يجذب انتباهك بين السطور وبين الصفحات، لتسأل نفسك كيف تعمل تلك الآلة، أو ما حجم ذلك الكوكب في الطبيعة، أو ماذا تفعل تلك اليرقة، ما هذه المعادلة، وهكذا.
فحينها عندما تبدأ فعلياً في قراءة الفصل أو الكتاب أو المادة، فإن دماغك يبحث لا شعورياً عن إجابة تلك الأسئلة، بدلاً من القراءة العمياء التي تشعر أنك أضعت وقتك في قراءة الكتاب بأكمله دون فهم لما فيه.
وحينها تصل إلى آخر مرحلتين، وهما اللذان تثبت فيهما ما درست عبر تدوين الأفكار وحل المسائل واستعراض الأمثلة، ومراجعة ذلك كله حين تدعو الحاجة لذلك، كأيام الامتحانات مثلاً. وحينها لا تكون كالذي يذاكر قبل الامتحانات بشهر واحد، فيضغط مادته العلمية، ثم يفرغها في أوراق الإجابة، ويخرج من باب قاعة الاختبار ليعيد تشغيل دماغه ويمسح آثار تلك البيانات!
و”أحد” أسباب تأخير الطالب لمذاكرته إلى ما قبل آخر العام الدراسي، هو إعلان جداول الاختبارات قبلها بمدة، بل أحياناً كنت أرى بعض الناس يتسابقون في الحصول عليها! حسناً ماذا ستفعل بعد الحصول على جدول اختباراتك مبكراً؟ بالطبع! ستعرف أي مادة تؤجل دراستها إلى آخر لحظة!!

المشكلة السابعة: فنون الاستذكار وتذكر الحقائق Mnemonics

mnemonics-1280
Mnemonics: تُطلق على أي نظام يُسهّل عملية التذكر فيما بعد.
ويقصد لوبديل بها الأسلوب الذي تتبعه لكي تتذكر تلك الحقائق العلمية والثوابت الطبيعية التي تقابلها أثناء دراستك، والتي قد لا تفهم بالضرورة أسبابها، مثل عدد الذرات في جزيء الماء، أو السنة التي وقعت فيها معركة اليرموك، أو عدد الأعصاب في عضو معين في الجسم، أو اسم البكتيريا التي تسبب مرضاً بعينه، أو درجة الحرارة التي ينصهر عندها الألومنيوم.. إلخ.
فتلك المعلومات قد لا تستطيع وضع سياق تفهمها به وتثبتها في رأسك، فتلجأ إلى الأسلوب التقليدي الذي اتبعناه جميعاً في مرحلة ما من أعمارنا، وهو الاعتماد على ذاكرة التكرار “Rote Memory”، أو في كلمات أخرى، بأسلوب “ثاني أكسيد الكربون لا يشتعل ولا يساعد على الاشتعال”.
والبدائل التي يطرحها لوبديل، بخلاف ما تقدم في شرح المحاضرة في هذا المقال، هي ثلاث وسائل مساعدة يمكن استخدام أي منها، وهي:
أول وسيلة: الاختصارات
أن تأخذ أول حرف من كل كلمة لموضوع معين ثم تجمعهم في كلمة واحدة.
من الفيزياء:
My Very Excellent Mother Just Served Us Nine Pizzas.
وأول حرف من كل كلمة في تلك الجملة يمثل كوكباً من مجموعتنا الشمسية، لا أدري هل عاد بلوتو كوكباً أم خرج من المعادلة.
Roy G Biv
وكل حرف أيضاً منها يمثل لوناً من ألوان قوس قزح. “Red, Orange, Yellow, Green, Blue, Indigo, Violet”
ويذكر لوبديل أن طالبة في صفه كانت تدرس الطب أخبرته أنها لا تعرف كيف تطبق تلك القاعدة فيما تدرسه، فهي لا تستطيع تحديد الشريان الذي يخرج بالدم المحمل بالأكسجين والذي يأتي بالدم غير المؤكسد.
فسألها أن تنظر في كتابها لتخبره بنص المعلومة كاملة، وبينما كانت الطالبة تقرأ عليه أن الشريان الأيمن هو الذي يحمل الدم غير المؤكسد، كان يسمع هو كل كلمة ويمثلها بحرف على السبورة.
ما قالته الطالبة:
The Right Atrium is the DEOxygenated
وكان ما كتبه على السبورة بعد سماعه لجملتها هو: Radeo
ووجدت أن الاختصار الجديد يسهل عليها حفظ المعلومة كثيراً، فبمجرد قراءة الكلمة يمكنها تذكر كلا المعلومتين، بدلاً من الحيرة بينهما في السابق. وبالتدقيق في الكلمة ستجد أن أحرفها مأخوذة من الجملة التي قالتها الطالبة، وقد جعلت حروفها كبيرة داخل الجملة ليسهل على القارئ تمييزها.
ثاني وسيلة: العبارات المسبوكة
أن تكون جملة أو عبارة مما تود تذكره، ولا يشترط أن توصل نفس المعنى أو حتى قريباً منه.
مثال: فك الأجزاء المتحركة من الآلات في عكس اتجاه عقارب الساعة، بينما إحكام ربطها يكون في اتجاهها.
فاتجاه عقارب الساعة ليس له علاقة بقوة ربط الآلات! لكنه وسيلة مساعدة على تذكر المعلومة دوماً.
ثالث وسيلة الصور المترابطة
ربط المعلومات بصور من حياتك الشخصية تساعدك على التذكر.
كيف تتذكر عدد السعرات في كل جرام من البروتين والكربوهيدرات، إذا علمت أن كل جرام من كليهما يحتوي على 4 سعرات؟
عندما طرح لوبديل هذا المثال ربطه بالسيارات، على النحو التالي:
CARbohydrates :4
PROtin :4
في المثال الأول، فإن أول ثلاثة أحرف من الكلمة هي كلمة سيارة بالإنجليزية، والسيارة لديها أربع عجلات! وكذلك المثال الثاني، فإن أول ثلاثة أحرف هي اختصار كلمة احترافي، والسيارة الاحترافية لديها أربع عجلات أيضاً!

الخلاصة

بنهاية هذا الجزء من المقال، آمل أن تستفيد مما ذكرته في هذا المقال، وأذكرك أن تعود إليه كل فترة لمراجعة تطبيقك لما فيه، فإن المرء تغلب عليه عادته، ويستغرق مدة غير قصيرة حتى يغير عادته التي مارسها لسنوات.
فقد رجعت بنفسي إلى مقال تجربة سكوت يونج لأقيس مدى استفادتي منه وتطبيقي لما فيه، واكتشفت أني خالفت أشياءً مما كتبت بيدي! وأنا الذي تابعت ملاحظاته عبر سنة كاملة ولخصتها! فما بالك بمن يقرأ المقال قراءة عابرة على أمل أن يستقر ما فيه داخل ذهنه ويطبقه؟
وبالنهاية، هذه محاضرة مارتي لوبديل إن شئت أن ترجع إليها:

0 comments:

Blog Tips
Blog Tips
2009@ سوالف عراقية

اشترك معنا في سوالف عراقية